العيون الآن
“تداعيات الموقف الأمريكي الأخير من قضية الصحراء وردود الأفعال الدولية..”
بقلم : د- الشيخ بوسعيد
في خطوة وصفها البعض بالمفاجئة، انضمت المملكة المغربية إلى قطار “التطبيع” مع إسرائيل، ليصبح البلد الرابع في العالم العربي، الذي يعلن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب الشهر الماضي من السنة المنصرمة، توقيعه اتفاقية مع إسرائيل بعد الإمارات العربية، البحرين والسودان .
وتباينت أراء الكتاب في الصحف المغربية والجزائرية بشان اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. فبينما احتفت الصحف المغربية بالاعتراف الأمريكي، واعتبرته “ضربة قاضية” لجبهة البوليساريو، ندد كتاب رأي في الجزائر– التي تدعم جبهة البوليساريو- بالإعلان، وحذروا من انه “يفسح المجال لحل عسكري” لقضية الصحراء .
إذن، ما هي مكاسب المغرب من صفقة التطبيع مع إسرائيل ؟ وماذا يعني الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء ؟ وهل سيعجل الاعتراف الأمريكي بحل النزاع بين الأطراف ؟ وما خطر هذا الاعتراف على مستقبل تقرير المصير الذي تطالب به جبهة البوليساريو؟ وما هي تداعيات تنصيب الرئيس المنتخب جون بايدن على مستقبل قضية الصحراء ؟
أولا : مكاسب المغرب من صفقة التطبيع مع إسرائيل .
بعد الإمارات والبحرين والسودان، انضم المغرب إلى قافلة الدول العربية التي أصبحت اليوم ترتبط بإسرائيل ضمن علاقات دبلوماسية رسمية.
وعلى غرار المرات السابقة، انطلق الإعلان من البيت الأبيض بتغريدتين من حساب الرئيس ترامب على التويتر.
ففي التغريدة الأولى، نوه الرئيس الأمريكي ( المنتهية ولايته في يوم 20 يناير الجاري 2021 ) بتوصل : ” صديقينا العظيمين إسرائيل والمملكة المغربية إلى اتفاق بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة ” .
أما في التغريدة الثانية قال : ” وقعت مرسوما يقر بسيادة المغرب على الصحراء الغربية “. وأضاف قائلا:” أؤيد عرض المغرب الجاد الذي يتمتع بالمصداقية والواقعية الخاص بالحكم الذاتي، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع بشان الصحراء الغربية”.
وفي نفس السياق، اصدر الديوان الملكي بيانا ضمنه ترحيب المغرب بقرار الرئيس ترامب، وبقرار واشنطن فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة. وبخصوص إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، جاء في البيان: ” أن المغرب يعتزم استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية في اقرب الآجال مع إسرائيل، وتطويرعلاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي … والعمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين”.
وتحسبا لأي انتقادات داخلية وخارجية لهذه الخطوة، وتفاديا لأي تفسير من شانه أن يضفي طابعا سلبيا على موقف المغرب من القضية الفلسطينية، شدد بيان الديوان الملكي على أن : “هذه التدابير لا تمس التزام المغرب بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وان المغرب يدعم حلا قائما على الدولتين”.
وكشف البيان أن جلالة الملك محمد السادس هاتف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وطمأنه إلى أن :” المغرب يضع القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وان ترسيخ المغرب مغربيتها لن يكون أبدا على حساب نضال الشعب الفلسطيني من اجل حقوقه المشروعة”.
وفي سياق متصل، أكد وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة في مقابلة مع صحيفة ” يديعوت احرنوت ” التي تعد من بين أكثر الصحف العبرية انتشارا ومبيعا، أن علاقات المغرب بإسرائيل كانت طبيعية حتى قبل اتفاق التطبيع مع الدولة العبرية. وأضاف قائلا للصحيفة الإسرائيلية: “من وجهة نظرنا، نحن لا نتحدث عن تطبيع، لان العلاقات كانت أصلا طبيعية، نحن نتحدث عن استئناف للعلاقات بين البلدين كما كانت سابقا، لان العلاقة كانت قائمة دائما. لم تتوقف أبدا”.
وفي إسرائيل رحب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتطبيع العلاقات مع المغرب واعتبره ” اتفاقا تاريخيا”.
ويعد المغرب رابع دولة عربية مسلمة تعقد اتفاق تطبيع مع إسرائيل في بحر أربعة أشهر. ويرى بعض المحللين السياسيين أن الرباط التي أمضت سنتين من التفاوض مع إدارة الرئيس ترامب بشان هذه الصفقة، خرجت الرابح الأكبر منها، خصوصا ما يتعلق باعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية، اعتراف يعتبره المغرب صيدا ثمينا، ربما سيوظفه لصالحه في المحافل الدولية لإقناع الرأي العام الدولي، بان لا حل لقضية الصحراء إلا تحت السيادة المغربية . ويرى اتجاه آخر، أن مستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر هو احد صانعي اتفاق التطبيع المغربي الإسرائيلي في حلته الجديدة، والقريب جدا من اللوبي اليهودي الأمريكي، وجماعات الضغط التي تعمل لصالح المغرب سواء بأمريكا أو إسرائيل.
ثانيا : ردود الأفعال الدولية من اعتراف إدارة الرئيس ترامب بالسيادة المغربية على الإقليم المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو :
وإذا كان البعض قد رأى أن المغرب نجح في انتزاع اعتراف أمريكي ثمين بسيادته على إقليم الصحراء الغربية، فقد انتقده البعض الآخر .
وبخصوص اعتراف إدارة الرئيس ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، وفي أول رد لجبهة البوليساريو، عبر أبي البشير، ممثلها في أوروبا، عن أسفه لقرار واشنطن، وقال: “هذا القرار لن يغير من واقع النزاع وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره”، مضيفا أن الجبهة ستواصل كفاحها .
وفي الجزائر، نددت العديد من وسائل الإعلام بالخطوة المغربية، سواء من حيث الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية أوالتطبيع مع إسرائيل.
كما نددت فصائل فلسطينية بالتطبيع المغربي الإسرائيلي، ووصفته حركة حماس ” بالخطيئة السياسية “. كما أعربت منظمة التحرير الفلسطينية عن رفضها للخطوة التي ” ستزيد من غطرسة إسرائيل وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني “.
وتباينت ردود الأفعال الدولية، وكانت إسرائيل أول المرحبين بقرار المغرب التطبيع الكامل معها.
وبالنسبة للدول العربية، فقد أشادت مجموعة من الدول العربية كالإمارات العربية، البحرين، مصر، السعودية والأردن بالإعلان عن توصل المملكة المغربية وإسرائيل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وفي نيويورك قال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن موقف انطونيو غوتيريس لم يتغير حيال الصحراء الغربية، وانه : ” لايزال بالإمكان التوصل إلى حل على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي “.
وهناك من يرى أن الاتحاد الأوروبي ينتظر معرفة موقف إدارة الرئيس المنتخب جون بايدن من تداعيات ملف الصحراء لبلورة موقف موحد ، حيث تنقسم دول الاتحاد الى ثلاثة مواقف، الأول يؤيد قرار الرئيس ترامب المنتهية ولايته حول نزاع الصحراء، والثاني لديه تحفظات من القرار، والثالث يعارضه .
وكان الرئيس ترامب قد وقع يوم 10 دجنبر الماضي على قرار يعترف بموجبه بمغربية الصحراء، ويرحب بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وبعد ذلك قام بالترخيص بفتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة، وهو القرار الذي خلف ترحيبا من طرف بعض الدول، وخاصة تلك التي فتحت تمثيليات دبلوماسية لها بمدينتي العيون والداخلة ( الساقية الحمراء وواد الذهب شطري النزاع )، وأخرى معارضة للقرار الأمريكي، وتصفه بالمتنافي مع مقتضيات القانون الدولي مثل الموقف الروسي ودول أخرى في حالة ترقب .
ويعول المغرب كثيرا على تفهم الدول الأوروبية للقرار الأمريكي، وبالتالي الانخراط في الدينامية الجديدة القائمة على الرهان على المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحلا للنزاع . وفي المقابل ترفض جبهة البوليساريو كل المبادرات المغربية، وتقول أنها لا فائدة منها، وأنها متمسكة بخيار مبدأ تقرير المصير كحل نهائي لقضية الصحراء، بينما يراها الطرف المغربي بأن مبادرة الحكم الذاتي، تأتي في إطار المحاولات المغربية لإنهاء الصراع، وتحسين الوضع في مخيمات اللاجئين الصحراويين .
كما يذهب بعض المحللين إلى القول، بأنه توجد ثلاثة اتجاهات داخل الاتحاد الأوروبي، فريق أول تمثله فرنسا يدعو إلى تفهم القرار الأمريكي، والانخراط في دينامية دولية تدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وفريق ثاني تمثله دول كاسبانيا،البرتغال وايطاليا، وخاصة الأولى التي ليس لها اعتراض كبير على قرار الرئيس ترامب، بقدر ما تشعر حسب بعض المهتمين بالتهميش في لعب ادوار ريادية في الحل النهائي لقضية الصحراء، كما تريد أيضا في المقابل أن تكون فاعلة أكثر، بصفتها كذلك القوة الاستعمارية سابقا للإقليم، وباعتبارها المخاطب الرئيسي للأمم المتحدة في ملف الصحراء. ويوجد تيار ثالث متمثل في جبهة الرفض، والذي يضم دول شمال أوروبا كالسويد، هولندا وألمانيا، والتي تؤكد على ضرورة بلورة حل دائم ونهائي داخل منظمة الأمم المتحدة، وليس انطلاقا من مواقف الدول، بما فيها تلك التي تمتلك حق الفيتو داخل مجلس الأمن الدولي .
ثالثا : تداعيات تنصيب الرئيس المنتخب جون بايدن على مستقبل قضية الصحراء .
فبمجرد تنصيب الرئيس المنتخب جون بايدن وأدائه المراسيم الرئاسية، قام بالتوقيع على إلغاء مجموعة من الأوامر الرئاسية يتراجع فيها عن سياسات سلفه الرئيس دونالد ترامب، ومن بينها عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاقية باريس للمناخ، وإلغاء حظر السفر أو دخول الأراضي الأمريكية المثير للجدل والمفروض على المسافرين القادمين للولايات المتحدة من أغلب الدول الإسلامية، وراب الصد وع السياسية، والعمل على تحسين صورة أمريكا في الخارج، وسمعتها داخل المؤسسات الدولية، ونشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكلها إجراءات دأبت عليها معظم الإدارات الديمقراطية المتعاقبة على الحكم، كما هو الشأن بالنسبة لإدارة الرئيس بارك اوباما مع إدارة سابقه الرئيس بوش الابن. إذن ماهي التداعيات المحتملة على مستقبل قضية الصحراء خاصة بعد اعتراف الرئيس ترامب المنتهية ولايته بمغربية الصحراء ؟
أعاد التوتر الأخير في منطقة الكركرات الحدودي مع موريتانيا جنوب إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، لفت الأنظار لبؤرة منسية، غير أن عواقب التصعيد قد تعرف هذا المرة تصعيدا سياسيا خطيرا بين المغرب والجزائر، وهو ما تجلى من خلال المناورات العسكرية التي أجرتها الجزائر مؤخرا قرب مدينة تندوف بالذخيرة الحية. أضف إلى ذلك إحساس جبهة البوليساريو بطول مدة الانتظار والمصير المجهول، وانسداد الأفق السياسي بأراضي اللجوء، وأيضا ضعف الآلية الأممية وتعثر المساعي الدولية في بلورة حل دائم لمشكل الصحراء الذي طال أمده ، وعدم تعيين وسيط أممي جديد، كلها تعتبر عوامل رئيسية، ساهمت بشكل أو بآخر في خلط الأوراق بمعبر الكركرات وعودة التوتر للمنطقة من جديد .
المغرب من جهته، أكد أن تحركه تم بحضور قوات “المينورسو” الأممية، وكان تدخلا “غير هجومي” وتفادى أي “احتكاك بالمدنيين”، ولم يسفر عن أي ضحايا ، مبررا الخطوة بالوضعية المزرية لحوالي 200 شاحنة مغربية، وجه أصحابها نداءات استغاثة إلى كل من المغرب وموريتانيا، كانوا عالقين بسبب منع البوليساريو لهم من العبور. أما البوليساريو والجزائر فاعتبرتا تدخل الجيش المغربي عملا عدوانيا ضد مدنيين عزل . تدخل الجيش الملكي، دفع الجبهة لإعلان حرب مفتوحة ضد الوجود المغربي في المنطقة ابتداء من يوم 13 نونبر 2020 ، فتصدر البوليساريو بيانات حربية يومية حول عملياتها العسكرية ضد الجدار الأمني الذي بناه المغرب على طول 2700 (كيلومتر).غير أن الإعلام المغربي، يعتبر بيانات البوليساريو مجرد دعاية إعلامية، تقوم على فبركة فيديوهات لمعارك من مناطق نزاعات أخرى كاليمن وغيرها، رغم أن بعثة المينورسو أكدت تبادل النار بين الجانبين .
وفي معرض تعليقه على الموضوع، أكد رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني أمام البرلمان على: ” أن تراجع إدارة الرئيس المنتحب جون بايدن عن القرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب المنتهية مدته الرئاسية بشان الاعتراف بمغربية الصحراء أمر غير وارد “، وأضاف قائلا : ” وأيضا عبر قانون على مستوى الكونغرس أمر صعب جدا” .
ويأتي هذا التصريح وسط مطالب بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين، ومنهم وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر بضرورة التراجع عن القرار، والذي شغل منصب مبعوث الأمم المتحدة للصحراء الغربية ما بين سنوات: 1996-2004 ، حيث نشر مقالا في جريدة “واشنطن بوست” بتاريخ 17 دجنبر الماضي، يؤكد من خلاله : ” أن اعتراف الرئيس ترامب بمغربية الصحراء ضربة للقانون الدولي والدبلوماسية، ويعد تراجعا مذهلا عن مبادئ القانون الدولي والدبلوماسية التي تبنتها الولايات المتحدة واحترمتها لسنوات عديدة “. في الوقت ذاته حذر من ” تأثير القرار على الحل النهائي للنزاع ” وينبه إلى أن القرار ” يهدد بتعقيد علاقات واشنطن مع الجزائر، الشريك الاستراتيجي المهم، وله أيضا عواقب سلبية على الوضع العام في شمال إفريقيا “.
وفي الاتجاه نفسه، ذهب جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة الرئيس ترامب، والذي يعد من اكبر المناصرين للبوليساريو والمدافعين عن مبدأ تقرير المصير .
وختاما، فإذا كان الترقب الدولي للقرارات الخارجية التي ستصدرها إدارة الرئيس جون بايدن في الأيام القليلة المقبلة بعد حفل التنصيب، والتي لقيت استحسانا وتعاطف دولي واسع ، حيث عبرت مجموعة من الدول والمنظمات الدولية عن استعدادها للتعاون مع فريق الرئيس المنتخب بايدن، والذي يؤسس لمرحلة جديدة مبنية على الشراكة الحقيقية، التعاون، الإنسانية والديمقراطية، ومراجعة مجموعة من القرارات الداخلية والخارجية التي اتخذها الرئيس ترامب .
يمكن القول بوجود جدل محتدم وواسع حول رؤية الرئيس الجديد المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه ملف الصحراء، كما يوجد فريق يؤكد صلاحية التراجع عن القرار، ويذهب فريق آخر إلى العكس من ذلك . في غضون ذلك ستنتظر أطراف النزاع حول قضية الصحراء الموقف الجديد لإدارة الرئيس بايدن من خلال الموقف الذي ستتخذه ليندا توماس غرينفيلد السفيرة الأمريكية الجديدة في الجلسة المقبلة لمجلس الأمن الدولي عند معالجتها لقضية الصحراء، والتصريحات الأولى لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حول تداعيات موقف الإدارة الديمقراطية الجديدة من ملف الصحراء .
التعليقات مغلقة.