قضايا الوطن بعيون الباحثين الشباب: بوخلوف يكتب: تدبير الاحتجاجات لايحتاج فقط الى مقاربات أمنية

العيون الان

بقلم بدر بوخلوف، باحث بسلك الدكتوراه جامعة القاضي عياض- مراكش.

تشكل الظاهرة الاحتجاجية في اي نسق سياسي ردة فعل طبيعية عن سلسلة من السياسات التي لم تعط طبعا أكلها ولم تجد لها تمثلات لدا المستفيدين منها…ففشل تلك البرامج والمخططات ساهم بشكل مباشر في الخروج الى الشارع والتعبير عن السخط وعدم الرضا بما حققته تلك البرامج على أرض الواقع، فهذه الأخيرة لم يكن لها انعكاس ايجابي على المعيش اليومي للمواطن، وعلى قدرته الشرائية بشكل عام، ولعل خير دليل على ذلك الحركات التي خرجت إبان فترة الربيع العربي، والتي خرجت بدرجات متفاوتة في سقف المطالب وحجم الشعارات، والمغرب يعد من هذه الدول التي طالب فيها المحتجون بالعدالة الإجتماعية ومحاربة الفسادوالاستبداد والريع بشتى تلاوينه…فالتمرد والغضب والاحتجاج ليس تصرفا فطريا او طبيعيا عند الافراد والجماعات، فهي لاتخرج لذلك إلا اذا دفعت قسرا لذلك حين يكون حجم الضر قد أثقل عليها كاهلها، أو بلغة العصر تجاوز عتبة المسموح به، وذلك على حد قول الاستاذ حسن أوريد. إن الوقوف في وجه الفساد والريع بشتى ألوانه وتمظهراته لا يحتاج فقط إلى مقاربات قانونية زجرية صرفة، ولا الى إطلاق مشاريع اقتصادية ومخططات تنموية هنا وهناك…وإنما يحتاج إلى ارادة سياسية حقيقية لدا كل المتدخلين والفاعلين، من دولة وأحزاب ومجتمع مدني وأصحاب مصالح ومواطنين…فبناء الديموقراطية ودولة الحق والقانون ينبغي ألا يكون شعارا يؤثث الترسانة القانونية، بل عليه أن يكون واقعا معاشا في علاقة الدولة بمواطنيها، واقع ينعكس بالملموس على أمنه الغذائي ومستوى أستفاذته من تعليم وصحة عمومين…واقع كذلك يسمح بخلق فرص الشغل القار وتشجبع للاستثمار، كذلك واقع يعيد بناء جسورالثقة ما بين الدولة والمواطن على أساس أداءه للواجبات الوطنية وتمتيعه بكل حقوقه الدستورية …إن تكريس دولة القانون الضامنة للحقوق والحامية لها، ينطلق من الانصات الجيد لهموم الساكنة والاستماع المتواصل لنبض الشارع المغربي في كل ربوع هذا الوطن من جنوب و شرق وريف وغرب…من خلال العمل على التنزيل الحقيقي لجميع المكتسبات الدستورية وفي مقدمتها الحق في العيش الكريم، باعتباره المدخل الحقيقي لأي إصلاح شمولي، فهذا الأخير يحتاج من الجميع تغليب مصلحة الوطن على مجموع المصالح الشخصية بغية الحفاظ على أمن واستقرار البلد، وعدم جره الى ما لايحمد عقباه في ظل اكراهات أمنية إقليمية ودولية ومخاوف من اتساع رقعة العنف والعنف المتبادل. ان أي محاولة للإصلاح في ظل عدم الإنصات الجيد لنبض الشارع ونهج مقاربات بعيدة عن خطاب التنمية والديموقراطية وحقوق الإنسان لن يكون الا بمثابة عملية مكياج فاشلة، لذا حان الوقت لتنزيل مشروع الجهوية المتقدمة في إطار السيادة الوطنية، فهي ستكون لامحالة ذلك القالب الذي سيحتوي عملية الإصلاح الشامل، وماهي الا بداية لإستكمال باقي الأوراش والإصلاحات الكبرى، فمسافة المائة ميل تبدأ بخطوة…فعلا هناك مشاكل بنيوية تعاني منها بلادنا، لكن بالمقابل توجد حلول جذرية اذا ما توافرت النية والارادة الحقيقيتين في القضاء والتصدي لها…إن مغرب اليوم في حاجة أكثر مما مضى الى تضافر جهود جميع أبناءه بالداخل والخارج للوقوف في وجه التحديات، وهذا لن يتأتى إلا بإعطاء الفرصة للشباب لتسلم مشعل القيادة والبناء…وتشجيعهم على الإنخراط في العمل السياسي من خلال إعادة بناء ثقتهم في الحياة السياسية، وبلورة سياسات عمومية تجيب على كل الإشكالات الاقتصادية منها والاجتماعية و التي تقض مضجع المواطن المغربي. ان بناء الأجيال وغرس حب الوطن وتقديم مصلحته العليا على المصالح الخاصة، لن يتم من فراغ او من باب الصدفة، بل هو عمل دؤوب ومشترك يقوم به كل الفاعلين والمتدخلين من أسرة ومدرسة وجامعة وأحزاب سياسية وجمعيات المجتمع المدني، كما أنه مسلسل طويل ويحتاج الى تضحيات جسام ومصالحة مع الذات. يبقى الرهان اليوم على الدولة في طريقة تدبير الاحتجاجات بدبيرا عقلانيا، يجيب على اسئلة المواطن اليومية في العيش الكريم وبناء مغرب الغد…مغرب الكرامة بالدرجة الأولى،بعيدا على كل ما من شأنه المساس بما حققته بلادنا من تراكم في مجال حقوق الانسان، وصياغة سياسات عمومية إستباقية يكون لها الأثر الايجابي على عموم المواطنين في المديين القريب والمتوسط. 

ADS TOP

التعليقات مغلقة.