التحول من الأحزاب السياسية إلى الأحزاب العائلية

العيون الان

بقلم الاستاذ: الشيخ سيدي بوركبة

سيعرف المشهد الحزبي بالمغرب اختلالات متعددة على جميع المستويات وليس “أزمة”، والتي قد يفهم منها عدمية الأحزاب السياسية بالمغرب، والواقع أن الأمر ليس كذلك، لأن الأحزاب السياسية بالمغرب تتعدى 32 حزبا حيث تختلف مبادئ وتوجهات كل حزب عن حزب أخر بين أحزاب يمينية ويسارية وإسلامية ومحافظة والوفاق والوسط، وكل فاعل سياسي كيفما كان الحزب الذي ينتمي إليه وكيفما كانت توجهاته ومبادئه فهو مرغم على احترام العديد من الضوابط والمبادئ التي من خلالها تجعل نضاله ومساره السياسي في الطريق الصحيح، فالإنسان كائن إجتماعي سياسي بطبعه، وأصبح من اللازم المشاركة في الحياة السياسية والتي لا تكون إلا عبر الانضمام للأحزاب السياسية، لأن من بين مظاهر الديمقراطية تعدد التوجهات والاتجاهات السياسية، فالذي يريد الإنخراط في أي حزب سياسي يجب أولا أن يعرف توجهاته وتاريخه وهل هذه التوجهات تلامس قناعاته ومبادئه الشخصية، لأن المشكلة اليوم التي يعاني منها المغرب هو ضعف التأطير السياسي والتكوين لمنخرطي هذه الأحزاب والتحكم في هذه الأحزاب من طرف بعض العائلات التي لها نفوذ واستخدام عنصر القرابة العائلية والقبيلة والقبلية والعنصرية والديكتاتورية في الإرتقاء إلى أعلى المناصب بالحزب وفي إختيار من يمثل الحزب محليا ووطنيا، بالمقابل يتم إقصاء وتهميش وتنحية كل من يقول للتحكم الحزبي لا، وتحقير العبقرية والذكاء والنبوغ، ومن يعطي الولاء ويقوم بإعدام ضميره فهو محبوب لهم ويتم إسكاته بوعود زائفة ومزيفة أو بإدخاله في إحدى هياكل الحزب مقابل أن يكون أداة مرهونة تابعا لهم، والشيء الخطير أن العائلات المتحكمة في هذه الأحزاب تكون بداخلها أحزاب مصغرة أو نسميها مجموعات يتحكم في كل مجموعة شخص ما، ويسعى لاستقطاب أكبر عدد من الكفاءات أو من الذين لهم شعبية كبيرة ووزن في المدينة ويكونون تحت ولائه ويكون بذلك ضمن لنفسه الحماية، حتى إذا أراد الحزب التخلي عنه، ينسحب هو ومجموعته فيضطر الحزب إلى مفاوضته من جديد وإعطائه ما يريد من مناصب في الحزب أو تمثيله في الانتخابات الجماعية والجهوية والانتخابات البرلمانية، فكثير من الشباب الحاصل على الشواهد العليا من دكاترة ومهندسين يتم إقصاءهم أو يتم إستقطابهم لمدة ثم يتم التخلي عنهم لأن دورهم ينحصر في التأثيث للمشهد الحزبي والتطبيل وتقديم الملق والدهان وحرق البخاخير، فيكون بذلك أمام خيارين:
الأول: أن يطبق قولة الشيخ العلامة الألباني رحمه الله ” من السياسة ترك السياسة ” فينسحب عن هذه الأحزاب التي لن يجد مكانه بداخلها بسبب التحكم السياسي العائلي ويستقيل منها ويهجر عالم السياسة.
والثاني: أن يمتثل لقولة الزعيم الفرنسي شارل ديغول الذي قال: ” لقد توصلت إلى نتيجة .. أن السياسة موضوع أخطر بكثير من أن نتركه للسياسيين ” فيعقد العزم على مواصلة النضال وإثبات الذات وحتى إن إستقال من حزب سياسي ما، يذهب لحزب آخر حيث سيبرز ويتم تقديره وإنزاله منزلته التي يستحق، فالترحال السياسي ليس خيانة كما يسوق لها البعض، الخيانة العظمى أن يتخلى عنك حزبك الذي ناضلت فيه لسنوات ولا يتم إنصافك.
وفي جميع المجالات يمكن اختزال أهم مظاهر إختلالات المشهد الحزبي في مايلي:
أولا: تفاقم الاختلالات الداخلية للأحزاب السياسية، أسفر عن تصدعات داخلها، أفضت في غالب الأحيان الى فض النزاعات و الانشقاق و تأسيس أحزاب جديدة عوض معالجتها بالطرق الديمقراطية.
ثانيا: غياب منهجية ديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، وهذا الغياب يكشف عن تناقض خطاب الأحزاب مع ممارستها، فالخطاب السياسي المتداول داخلها هو خطاب ديمقراطي ولكن ممارسته على الواقع في تشكيل أجهزتها أو في تدبير اختلافها، أو في اختيار مرشحيها وممثليها ومسؤوليها … هي ممارسات غير ديمقراطية.
ثالثا: المشهد الحزبي يكرس التباعد أو على الأقل غياب علاقة تفاعلية وتأثير متبادل بين الأحزاب والمواطنين، فأغلب الأبحاث والإستطلاعات أكدت نتائجها عن ابتعاد برامج وشعارات ومواقف الأحزاب السياسية عن المواطنين وعدم اكتراث هؤلاء بالعمل الحزبي.
الأمر الذي يفيد وجود هوة ساحقة أو طلاق بين الأحزاب السياسية والمجتمع بسبب عجزها القيام بعملية التعبئة الجماهيرية والاجتماعية وخلق شعور المشاركة السياسية لديه وذلك من خلال إشعاره بمواطنيه.
وهناك أسباب موضوعية ساهمت في أفول دور الأحزاب السياسية ومن بينها :
_ طبيعة وعلاقة النظام السياسي بالأحزاب انتهت بانتزاع فتيل حيويتها على تهميشها بالمقابل هناك دعم مادي ومعنوي لجمعيات ومنظمات المجتمع المدني .
_الخصوصيات السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع المدني.
_عقلية المواطن المغربي في تعامله مع السياسة وتهافته على المصالح الشخصية والمنافع المادية وانتقاله المستمر وبحثه عن الحزب المستوزر أي الذي يوجد في تشكيلة الحكومة.
وفي الأخير يبقى التغيير على يد أصحاب الجسارة والمبادئ والذين يستطيعون حمل المشعل من جديد وإعادة الثقة للمواطن في الأحزاب السياسية وذلك بإعادة هيكلة الأحزاب السياسية وفق منظومة ديمقراطية متناسقة تبتعد كليا عن القرابة والقبيلة والقبلية، وتتكون من عدة شروط من بينها الكفاءة العلمية والنضج العقلي والفصاحة في الكلام والإستناد في النقاش بالحجة والبيان والسعي إلى تحقيق المصلحة العامة، أما الخطاب المتكرر بإلزام تشيبيب الأحزاب السياسية فلا يعدو أن يكون إلا وسيلة لإدخال الشباب الذين لهم قرابة عائلية بقادة هذه الأحزاب التي تجسد حقيقة مفادها التحول من الأحزاب السياسية إلى الأحزاب العائلية.

ADS TOP

التعليقات مغلقة.