الخدمة العسكرية لشباب المغرب …بين ضبط السلوك وتثبيت الوطنية

العيون الآن

بقلم السيد محمد مولود : إعلامي وباحت في العلوم السياسية

يعتبر التجنيد الإجباري طريقة لإختيار الرجال وفي بعض الأحيان النساء للخدمة العسكرية الإلزامية ويسمى أيضا الخدمة الوطنية وغالبا ما يتم العمل به بعد انتهاء الدراسة ,ويخدم المجندون لمدة تتراوح بين السنة وثلاثة سنوات بحيث استخدمت كثير من الدول هده التجربة في زمن الحرب إلا أن زمن السلم لم يسلم كذالك من ترسيخ هده الخدمة ولاكن بكيفية اقل .
وشهدت المملكة المغربية اول تجربة في مجال الخدمة العسكرية سنة1966 لمدة اقصاها ثمانية اشهر ليتم تقليص المدة سنة 1999الى سنة واحدة وفي سنة 2006 تم التخلي بشكل تهائي عن الخدمة العسكرية وقتها كان ادريس جطو وزير أول بلون تقنوقراطي على رأس الحكومة.
إلا ان في عشرون غشت من السنة الجارية تمت المصادقة على مشروع قانون الخدمة العسكرية من طرف مجلس الوزراء بدون سابق اندار وبسرعة البرق وفي غياب اية ملامح استباقية له أو ملامح تشاركية من لدن الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني والحقوقي والإعلامي لصياغته ,مما خلق جدلا واسعا داخل المغرب وخارجه بالإظافة الى خلق نقاش مستفيض بين المحبب للفكرة والرافض لها ,وخاصة في اوساط وسائل التواصل الإجتماعي .
بالإضافة الى ذالك يتبين غياب مبادرات خاصة لأحزاب بعينها في طرح مقترحات قانون للخدمة العسكرية خصوصا بعد سنه 2006 مما يطرح أكثر من علامة استفهام .
وبالرجوع الى الماضي القريب نرى ان مجموعة من الدول تخلت عن فكرة التجنيد الإجباري في زمن الحرب نظرا للتكاليف الباهضة التي تغرق ميزانياتها خصوصا وان هده الدول غنية واقتصادياتها تحتل مراتب متقدمة مقارنة بدول متأخرة تنمويا واقتصاديا. مما يستدعي استثمار هكدا ميزانيات في ميادين أكثر اهمية وانتاجية من انفاقها على تكوينات لاحاجة لنا بها اليوم خصوصا ونحن نعيش في سلم ونؤمن بثقافة السلم والسلام .
بحيت خلص” ميلتن فريغن” الحاصل على جائزة نوبل للإقتصاد ان التجنيد الإجباري ينهك اقتصاديات الدول التي تعتمد على سياسة الزامية التجنيد مقارنة بالدول التي تعتمد على العمل التطوعي في المجال العسكري .
كما ان التساؤل المطروح ،هل هناك معيار مساواة لإلزام جميع الطبقات بما فيها الغنية لولوج الخدمة العسكرية اسوة بالطبقات الفقيرة والمتوسطة ام ان هناك اساليب للتهرب؟ لأن طرحنا لهكذا سؤال لم يأتي بمحض الصدفة فالولايات المتحدة الأمريكية وهي من أعتد الديمقراطيات في العالم عانت هي الأخرى من سلوك تهرب الطبقات الغنية من سلك التجنيد الإجباري في حرب الفيتنام وهو ما يجعلنا أقل تفاؤل من ولوج جميع الطبقات ومن اهمها الطبقات السياسية للخدمة العسكرية في دولة تعاني من غياب الديمقراطية والعدالة الإجتماعية.
ومما لاشك فيه أن اعلان مشروع قانون الخدمة العسكرية من طرف المجلس الوزاري يجعلنا نتسائل عن فحوى هدا الإعلان والظرفية التي تمت فيها صياغته ؟والسرعة التي اتخد فيها اقراره ؟بالإظافة الى مدى تأثير الحراك السياسي والإجتماعي والإقتصادي على اتخاد مثل هده القرارات ؟
إن المتتبع للحراك السياسي والإجتماعي والإقتصادي بالمغرب يعي جيدا أن المغاربة تأثروا بالموجة المعلوماتية التي منحتها وسائل التواصل الإجتماعي وأصبحوا أكثر تأثيرا على اصحاب القرار ودالك ما عايشناه من خلال الإحتجاجات على اسعار الغلاء والإحتكار والعدالة الإجتماعية ومحاربة الفساد وكل الإحتجاجات التي عرفها المغرب خصوصا في العشرية الإخيرة مما أصبح التفكير فيه منصبا حول ضبط السلوك وخصوصا سلوك الشباب الفاقد للأمل ولمستقبل مشرق في وطن يغيب فيه منطق تكافؤ الفرص .
كما يرى كثير من المحللون بأن توقيت اعلان مشروع قانون التجنيد الإلزامي غير بريئ وله علاقة بالمشاكل التي يعيشها المغرب اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا مفندين الخطاب شبه الرسمي الدي يرى أن التوقيت ضروري لضبط سلوكيات بعض المراهقين والعمل على اشباعهم بالوطنية وروح المسؤولية وخدمة الوطن .
ان العارف بالشأن التعليمي يعي جيدا بأن ضبط السلوك وتثبيت المواطنة من اولويات المدرسة العمومية التي تعتبر السباقة في تربية ابناء الوطن وتعليمهم وتثبيتهم على قيم الأخلاق والإعتماد على النفس وروح المواطنة وضبط السلوك إلا ان مايعيشه المغرب اليوم من تردي منظومة التعليم والصحة كقطاعين حيويين وذات اهمية قصوى لتقدم الشعوب يعرف بما لايدع للشك ان المدرسة العسكرية لايمكنها تلبية مطالب كان بالأجدى أن تكون المدرسة العمومية سباقة لترسيخ قيمها للفرد إلا ان الفساد وسوء التسيير وانعدام المسؤولية هو النتيجة التي نعاني من سلبياتها اليوم والتي تجعلنا نبحث عن بديل لترسيخ قيم خارج الإطار المدرسي ونمنحها للإطار العسكري.
فحسب احصائيات دولية نشرت من قبل والتي تتحدث عن تأثير الزامية التجنيد على سلوكيات الأفراد بعد انتهاء الخدمة في مرحلة السلم بحيث خلص باحثين جامعيين من جامعة” تركوادوا” الأرجنتينية في يونيو من سنة 2010 ان الجريمة ارتفعت في صفوف المجندين بعد انتهاء الخدمة مقارنة بالشباب العاديين ،كما استنتجوا أن التجنيد الإجباري له اثر نفسي وضرر على المجندين في سوق الشغل بعد انتهاء فترة الخدمة ودخولهم في دوامة البحت عن منصب شغل .
الدراسة الثانية كانت في فبراير 2016 وتمحورت حول تأثير الخدمة العسكرية على معدلات الإجرام وسوق الشغل في السويد واشتغل عليها باحثين من المعهد السويدي للبحوت الإجتماعية بشراكة مع جامعة “غونتبورد “وتمحور البحث حول الأشخاص اللدين تم تجنيدهم في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وخلص البحث الى ان خريجي التجنيد الإجباري هم أكثر اجرما مقارنة مع الناس اللدين لم يتم تجنيدهم خصوصا الفقراء كما تمحور البحث حول تأثير الخدمة العسكرية على سوق الشغل بحيث خلص البحث على ان التجنيد الإجباري أثر على المجندين من الطبقة الفقيرة على البحث عن فرص الشغل عكس الأشخاص العاديين .
يتبين من خلال كل ذالك أن على الدولة البحث عن حلول أكثر واقعية ودا اهمية ومحتوى فعلي لضبط سلوك ابنائها ولعل أولوية الأولويات هو تحسين جودة التعليم والصحة والشغل ،هذا الثلاتي هو الضامن من بعد الإرادة الإلهية لسلوك الأفراد
اما الوطنية عند الشباب والعمل على تثبيتها ،فلا شك انها مرتبطة ارتباطا قويا بظروف العيش الكريم والإصلاحات الشاملة خصوصا في شقها الإجتماعي والإقتصادي والسياسي .
وتأثيرها سيكون اقوى من المدة الزمنية التي قد يستغرقها الشباب في ثكنات التجنيد خصوصا وان الوطنية اليوم أصبحت تقاس بمدى تكافؤ الفرص والعيش الكريم وتوفير الشغل لشباب أصبح يرى مستقبله أكثر ضبابية من دي قبل .

ADS TOP

التعليقات مغلقة.