الشباب، السلطة و السياسة مقال للاستاذ حسن الزواوي

العيون الان
حسن الزواوي ( إنه أول مقال لي في مسيرتي العلمية، كنت قد نشرته بجريدة ” بيان اليوم ” بتاريخ 16 اكتوبر 1998، بعد حصولي على الإجازة في العلوم السياسية )

يحيل موضوع الشباب و السياسة على طرح مضمر داخل صلب العنوان، يحايثه لأنه يمنحه دلالته و يعطيه انفتاحا آخر على حمولته المعرفية الذاتية، إنه موضوع اللاسياسية، لكن لنصرح مند البدء بأن مقاربة هاته الأخيرة لا يمكن أن تكون في منظورنا بغير السياسة، هدا ما يجعلنا نتبنى سيطرة المفهومين في تناسقها التوأمي و لأن أحدهما يقود إلى الآخر بالضرورة ارتأينا أن نتبع خطاطة تمكننا من فهم هده الثنائية شباب/سياسة.
يتميز النسق السياسي المغربي بغياب ثقافة المشاركة مما يترك المجال مفتوحا لبروز نوعين من الثقافات، الأولى تتسم بالخضوع و الطاعة العمياء للسلطة في حين تسمى الثانية بالثقافة الهامشية تبعا لتصنيف غابرييل ألموند G.ALMOND و بوويلPOWELL ، هذا إذا تحدثنا بشكل أكثر عمومية لأن الكلام عن الشباب يرتبط غالبا بما يصطلح عليه بالعزوف السياسي الذي يفسر باعتبارات متداخلة تولد جملة من المواقف المتصلبة، و إذا كان بركليس فيما مضى ينظر إلى الشخص الذي لا يهتم بشؤون الدولة لا كمواطن كسول، غير آبه بل فقط كإنسان تافه فإن قولته اليوم التي باتت تفقد الكثير من نجاعتها النظرية إذ أن الظاهرة أصبحت تعني عكس ما تحمله دلالتها النظرية كما أفصح عن ذلك محمد التوزي، بمعنى أن عزوف الشباب عن المشاركة السياسية يشكل نوعا من التمرد غير المعلن أو متنفسا عن عجز بلاغي أو سيكولوجي تتناسل جملة من المعطيات لتجعل منها واقعا يلحظه كل مراقب أو متتبع لنشاط الحقل السياسي بالمغرب، تتحمل فيه الدولة نصيبا وافرا من تنصيب إعادة إنتاج بنيات الخضوع كما لا تنفلت مؤسسات المجتمع المدني من هاته المسؤولية .
إن هيمنة الدولة على تنظيم و تأطير الأفراد و الجماعات يجعل منها “الدولة” أخطبوطا يخترق كل المجالات الحياتية و محتكرا بامتياز لمخططات التنمية في الوقت الذي يجب أن يكون ميلاد الحداثة و معانقة العصرنة منبثقا من صلب المجتمع، لأن النقيض لا يستتبع إلا فقدانا للثقة في المؤسسات التمثيلية حتى أن الجامعات لم تعد معقلا تثقيفيا بل معبرا لنقل إيديولوجية الدولة السلطوية مثلما أن البطالة أصبحت سندا لتعميق الهوة بين الشاب و الدولة مما يستلزم ضرورة فتح حقل السياسة بهموم الاختيار الديمقراطي و تحريكه حسب رؤية بولانتزاس “POULANTZAS” على سير و اشتغال تنافسي تجد فيه القوى الاجتماعية انعكاسا ووزنا على مستوى البنيات الفوقية لتعبيراتها السياسية و لعله من الغرابة أن نسمح لأنفسنا بالتفكير وفقا لهذا المنطق إذا كان من المحبط جدا أن نصادف هذا التقديس الطقوسي الذي تقارب به الدولة طبيعتها بالمغرب و هو ما يجعل كل خطوة لإعادة بناء الحقل السياسي على أسس يتمناها الشباب دوما مرفوقة بضمانات ضعف التزام الدولة ، مما يكرس عنف الواقع المؤلم الذي يجدد الهوة بين المبادئ و حقيقة الممارسة السياسية و الإدارية حيث تكون النتيجة الإحباط العام و العزوف عن الاهتمام الجدي و المشاركة الفعالة مما يجرنا و بقوة إلى مقاربات أخرى تجعل تصور أنماط بديلة لتداول السلطة بالمغرب مشوهة في حدود تبيئتها “ACCLIMMATATION” و تكييفها مع متطلبات الحفاظ على نسق ما فتئ يؤكد على إنتاج بنية التشاؤم الذي يتخذ أحيانا طابع نفور و هروب سلبي يجتنب فظاعة الإقرار بأن هذا الشباب مكره على الخضوع لسلطة ما، و الأخطر من ذلك أن هاته السلطة ذاتها تحايله لكي تنمي لديه وهم الاستقلال من خلال العزف على تقنيات الإيديولوجية الجهوية حيث أن العودة المثيرة إلى الجماعات و التشكيلات القبلية أو الهويات الهامشية المصغرة لا يمكن أن تفسر بغير أزمة الدولة كما قال ساعف.
أما فيما يتعلق بالأحزاب فالحديث يستلزم تجنبا للتعميم إذ أن الأحزاب الإدارية لا تبتعد عن صورة الأحزاب الانتخابية التي لا تهتم بالشباب إلا في مثل هاته المناسبات على أن اليسار أيضا كرس بعض أحزابه لتهميش منظماتها الشبيبة التي كانت إلى وقت قريب قاعدة أساسية لإنجاب القادة و الأطر، و مثلما قال ريجيس دوبري لا يجب على الأحزاب التقدمية “و ليست الأندية السياسية أو وداديات البرلمانيين” أن تسعى فقط للبحث عن الشرعية و التموقع السلبي في الزمان و المكان حيث لا يعد همها أساسا تحقيق أهداف وجدت لأجلها بل العكس ينقلب همها إلى تفويض نشاطها المفروض فيه أن يكون متنفسا ثوريا لفئات محرومة بنشاط ساع فقط إلى تحقيق الوجود و إبقائه، و يجب أن نكون موضوعيين بالمقابل و نصرح بان الجيل الأخير للشبيبة لم يعش هاجس “اليسار” بل عاش “أدلجة” لهاجس اليسار. صحيح أن هذا جزء من ذاك و أن مشكل الأدلجة ذاته كان محدد المفهوم “اليسار” لكن ما نعنيه هو “الادلجة” من جانب واحد بعد ابتلاع الدولة و كسرها النسبي لحركية الأحزاب التقدمية .
لذلك من الضروري بل من اللازم تحقيق نوع من الارتداد ليس فقط لإكتساب نوع من المعرفة التاريخية بالموضوع بل إن التصاعد في الزمن يمكن من تحقيق ربط تاريخي و بدون هذا التصور ستكون محاولة الفهم بالنسبة لهاته الأجيال أشبه بالتواطؤ إلى التسيس.
و من الطبيعي إذا ظل الحال كما هو عليه اليوم أن تتميز الحياة السياسية المغربية بالسكونية مع إفقار متواصل لمضامين و محركات الخطابات السياسية.
حسن الزواوي( إنه أول مقال لي في مسيرتي العلمية، كنت قد نشرته بجريدة ” بيان اليوم ” بتاريخ 16 اكتوبر 1998، بعد حصولي على الإجازة في العلوم السياسية )
• علم السياسة: تأليف جان ماري دانكان .
ترجمة : محمد غرب صاصيلا، الطبعة 1.
المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع: 1992 بيروت
• محمد كلاوي، المجتمع و السلطة: دراسة في إشكالية التكوين التاريخي و السياسي للمؤسسات و الوقائع الاجتماعية.الطبعة 1/1995.
• محمد معتصم، الحياة السياسية المغربية:1962-1991، مؤسسة إيزيس للنشر، الدار البيضاء.1992.

ADS TOP

التعليقات مغلقة.