حمادي شربار يكتب..من أزمة وبائية..الى ثقافة وبائية

العيون الآن 

بقلم:حمادي شربار دكتور في علم الاجتماع

من أزمة وبائية..الى ثقافة وبائية

فيروس كورونا والمعروف علمياً Covid 19 المكتشف مؤخرا بالمرض المعدي ، وتتمثل اعراضه فى الحمى والإرهاق والسعال الجاف. وقد يعاني بعض المرضى من الالآم والأوجاع، أو احتقان الأنف، أو الرشح، أو ألم الحلق، أو الإسهال، حسب منظمة الصحة العالمية. هذا التعريف العلمي للداء المعدي، نشتشف منه مجموعة من الأعراض التي لا يمكن للفرد إخفائها، وهي أعراض اجتماعية كونها معروفة والأفراد معتادون عليها، بفعل قربها إلى مرض الزكام الموسمي.

يتميز هذا الوباء بسرعة انتشاره وصعوبة الوقاية منه، حيث يستمد الفيروس قوته من تاريخ ظهوره الذي يتزامن مع تاريخ حالات الزكام الموسمي، وقدرته على تشكيك الأفراد بإصابتهم به، واعتبار البلد الذي أكتشف فيه بعيدا عن اغلب الدول التي إستفحل فيها الوباء العالمي، مما جعل هذه البلدان لا تتخذ إجراءات وقائية صارمة خلال فترة انتشاره في ووهان، بالإضافة إلى قدرة الصين على إيجاد لقاح فعال لهذا الوباء في زمن قياسي، خصوصا وأن العالم عرف مجموعة من الفيروسات تم القضاء عليها في فترة قصيرة نذكر على سبيل المثال الصارص.

يستنتج من كل هذا أن فيروس كورونا إستفاد من إستهتار العالم بقدراته الوبائية، حتى أصبح العالم لا يؤمن بعودة اوبئة كالطاعون والجدري وغيرها من الأوبئة، التي خلفت الملايين من الضحايا عبر التاريخ البشري، وهذا الإستهتار راجع أيضا إلى القدرات الطبية الهائلة التي راكمتها البشرية عبر العصور للقضاء على مختلف الأمراض والأوبئة، فاليوم تتوفر البلدان الحديثة على مختبرات طبية متطورة في صناعة الأدوية، والتحاليل الطبية. هذا الغرور العالمي كان من أشد نقط القوة للفيروس المستجد.

يعرف تاريخ الأوبئة في المجتمات بتاريخ الحزن والبؤس والدمار، لأمم إعتبرت نفسها قوية ولا يمكن لأي مخلوق التغلب عليها، هذه الصفة مازالت يتميز بها هذا النوع من الأوبئة، ونحن نتكلم في البدايات الأولى للوباء، والذي فقدت مجموعة من الدول المتقدمة السيطرة عليه، حتى أضحت تختار بين المرضى حسب قدراتهم على مقاومة المرض بأقل التكاليف، هذه الوسيلة اللاإنسانية التي تقف ضدها ديمقراطيات هذه البلدان، أصبحت طريقة سهلة من أجل تخفيف الأعباء الصحية والإجتماعية للمجتمع.

تتميز الثقافة الوبائية بالقطع مع مجموعة من الممارسات الإنسانية، والتي تعتبر من مكانيزمات التواصل الإجتماعي كالعزل الطبي، أي إبعاد المصاب من مخالطة الأفراد السليمين، وهو فعل يتسم بممارسة الكثير من العنف الرمزي والاجتماعي، حيث أن ʺالإنسان إجتماعي بطبعهʺ، وهذا يشكل إنتقاص من أدميته، والتي دعت جميع المواثيق الدينية والدولية للحفاظ عليها وصونها، لكن تصطدم مع اكراهات ظروف استثنائية كالوباء، الذي يفرض على المجتمع التضحية بالفرد مقابل سلامة الجماعة.

في غياب اللقاح المناسب فإن الحجر الصحي هو الوسيلة المناسبة لتقليل من ضحايا الوباء، وهذا يتطلب من المجتمع الإلتزام بمجموعة من القيم التي تحد من العلاقات اليومية، وهذه الأفعال بقدر سرعة إلتزام الأفراد بها يؤدي إلى انحصار الوباء ونهايته، وهنا لابد من ثقافة وبائية تستمد قوتها من البعد الديني والأنتروبولوجي والتاريخي، حتى يتمكن المجتمع من بناء سلوك وقائي سريع سرعة انتشار هذا الوباء.
وقد إتخذ المغرب كباقي الدول العربية، مجموعة من الإجراءات الوقائية تحد من الطابع الاجتماعي للأفراد، المبنية على التواصل وقوة العلاقات القرابية، هذه التدابير الإحترازية التي استهدفت مجموعة من السلوكات الاجتماعية، التي لها امتدادات ثقافية ودينية وانتروبولوجية واجتماعية عميقة في المجتمع المغربي، أصبحت نمط سلوكي إجباري يجب على أفراد المجتمع التقيد به.

إن هذا النمط من السلوك يستمد عمقه من البعد الديني لدى المجتمع المغربي، الذي يتشبت بالدين كمكون اساسي في بناء السلوك الاجتماعي، وهذا ما لاحظناه عند خروج مجموعات من الافراد في العديد من المدن، مما جعل المجتمع المغربي يعبر عبر منصات التواصل الاجتماعي عن تنديده بهذا السلوك واعتباره منافي لقيم الدين الذي يدعو للحفاظ على النفس، وإعتبار الحضر الصحي خلال فترات الأوبئة التي مرت بالمغرب والعالم الإسلامي طريقة ناجعة للحد من انتشار الوباء.
وهنا نلاحظ الإستجابة القوية للمجتمع للحد من مجموعة من السلوكات التي تشكل محور التواصل بين أفراد المجتمع فالسلام باليد، الذي يعتبر سلوك طبيعي عند لقاء الآخر وهنا إكتفى المجتمع بالسلام دون المصافحة باليد، وهذا دليل على قدرة المجتمع على الإستجابة لنداءات السلطة ومنابر اعلامية، من مخاطر التهديدات، استمرار بعض السلوكات الاجتماعية التي تؤثر في انتشار الوباء ، وهكذا فقد لاحطنا الأفراد تبحث عن اجابات مقنعة لدى الآخرين لقبول الأمر الواقع في هذا الوقت العصيب، وقد تصل إلى حد رفض التصافح في حالة عدم إقناع الأخر .

يتبن أن المجتمع قادر في حالة الإحساس بتهديد على وجوده من بناء سلوك اجتماعي، يتميز بالسرعة وإتفاق مختلف أفراده مهما كان مستواهم الثقافي والاجتماعي عليه رغم تكلفته الاجتماعية، وبالأخص إذا توحدت مختلف الوسائل السمعية والبصرية في بناء هذا السلوك، ففي مجتمعنا تأكد لنا من خلال مجموعة من الممارسات التي أصبحت يومية، من قدرة المجتمع على بناء سلوك وقائي لأزمة تهدد وجوده، ويتمثل هذا السلوك في بناء ثقافة وبائية تعكس مستوى معين من الوعي بضرورة تجنب الإقتراب من الآخرين مهما كانت قرابتهم، وهنا نرجو أن يستمر هذا الوعي حتى يستهدف مجموعة من السلوكات الاجتماعية التي تحد من بناء وعي مجتمعي بضرورة التضامن والتلاحم لبناء هذا الوطن.

 

ADS TOP

التعليقات مغلقة.