يوسف صبري يكتب..ربما..نهاية أسطورة اسمها “الغرب” !

العيون الآن

بقلم..الكاتب يوسف صبري

ربما..نهاية أسطورة اسمها “الغرب” !

بالرغم من قولنا أن كورونا ملأت قلوبنا دعرا، إلا أنه في الجانب الأخر إذا تأملنا قليلا هذا العالم بدوله ..تجمعاته الكبرى ..تاريخه، قوانينه، فإننا نكاد اليوم نتساوى جميعا أمام القرارات “التحكيمية ” لكورونا.

يبدو أن ما سمي حتى عهد قريب ب”النظام العالمي الجديد” ، والفلسفات “المركزية ” الأوروبية لإنشاء بدائل كل مائة عام ، وقطائع تنتصر “للتعالي” الغربي، المتسيد، بقيمه التي عليها أن تسافر في كل الدنيا تحت طائلة الإكراه والإذعان..غازية العقول والقلوب والأجساد ..قيم استهلاكية وموضات الأكل والشرب وجميع ما يتعلق بالحياة العامة معلبة وموجهة لدول الجنوب أو دول العالم الثالث صار قاب قوسين من مراجعته .

أعتقد أن جائحة كورونا بالرغم من كل المساوئ التي يفترض أنها جلبتها معها إلا أنه يوجد الوجه الأخر لهذه المصيبة وعلينا استثماره.

لا يتطلب ذلك سوى قليل من الصبر حتى نتجاوز المحنة جميعا، ليتضح أن الغرب برمته متهالك منذ ربما نهاية الحرب العالمية الثانية أو بعد حرب الخليج الأولى..وأن حجم “الدعاية” الذي مارسته الأدوات الكبرى …سينما وإعلام و سياسة ،مواقع، لا تعدو كونها كانت تحكما من خلال تغطية تاريخية فقط .يوظف فيها منطق التلاعب بالحدود، والبنيات والأشكال ..أشكال ونظم الحكم، التي يمكننا لو فكرنا مليا أننا نتوفر على ميكانيزمات إنتاج أجودها، لأننا لدينا في جزء من ثقافتنا القابلية لإنتاج وصفات أكبر من منطق حتى الديمقراطية.إنما لو شئنا ذلك !
كورونا اليوم تؤكد أنه بإمكاننا صناعة دول مستقلة لا تؤمن بمنطق التبعية ، لأنه فعلا لا يوجد من أجل ماذا عليك أن تتبع هؤلاء جميعا..وكورونا فضحت قطاعات كان ينظر إليها عندنا بمنطق كونها متخلفة ، والحال أن الجميع متأخرين؟

الصحة بفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبأمريكا وسويسرا هي بنفس أوضاعنا ، بل قد تطمع اليوم في مركز صحي محلي بأي دولة من دول (الجنوب)، على ،مستشفى كان بالنسبة إلينا أن أصحاب الثروات يهاجرون إلى أوروبا لأن العلاج هناك جيد..

التفاوتات التي ننظر إليها ليس بالحجم الذي نتخيله ، طبعا هناك صناعة ، وهناك علم وهناك اقتصاديات قوية ، إنما في الكارثة كورونا تحاشت دول بسرعة منطق “التضامن” البين أوروبي وأمريكي، وغلقت الحدود، واتضح فقرها التضامني والأخلاقي، وأعتقد أن كل ما كتب منذ منتصف القرن السابع عشر ..وما صار بالنسبة للغربيين مرجعا لتكريس الحقوق والحريات والقوانين والتعاقد يمكننا اليوم، وبإمكاناتنا المحلية تجاوزه.
يحتاج الأمر بتقديري إلى إعادة الثقة في المدرسة العمومية، في البرامج، في الأستاذ ، ويمكن كذلك بناء سياسة صحية سليمة .

وأن تفكر معنا النخبة “المغتربة” والمستلبة ” بالنموذج الغربي، بعقل وروح وطنيتين ، وبرصيدها ورأسمالها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي واللغوي.

ففي ذروة الألم عولنا على الدراسة عن بعد التي وظفنا فيها الأستاذ ونجحنا اليوم في هذا الاختبار ، وفي خط المواجهة الأول الأكثر، شراسة “ودراما” ،عولنا على الطبيب والممرض بالقطاعات العامة ونجحنا.

لدي موقف من الصحة الخاصة وماشابه ، جلها يكاد يتساوى مع المدارس الخاصة في القيمة، أغلق أغلبها وانزوى معظم مالكي تلك المؤسسات في بيوتهم بنفس خوف الإنسان العادي .
الخوصصة تدبير جيد لتفادي هيمنة الدولة وتنشيط المبادرة الفردية ،نعم ،إنما يمكننا صناعة خوصصة قطاعية لا تمس صحة ومعرفة المواطن، يمكننا اليوم إذا جاز التعبير هدم مجموعة من “الترهات ” التي تعلمناها ! والمصيبة أننا كرسناها على مستوى الجامعة وفي كل مكان ..بينما يوجد بالجامعة المغربية وبكل التخصصات والشعب مفكرون ومنتجون لتحفيز العقل على الإنتاج والخلق، وحتى من هم قادرون عل منحنا الدواء لعللنا.
نهاية أسطورة، هو الدرس الأجدر بنا الإيمان به، إيطاليا وجيرانها في الاتحاد في لحظة ما، مع كل القيم الغربية التي يقال أنها قامت بتخليقها جل الفلسفات التي درست l’éthiques بفصول جامعاتها، الأمس أغلقت حدودها بين بعضها البعض كإجراء وقائي جيد، بل وصارت تستنجد بالبعيد على القريب، وبلحظة تهاوت أفكار”مونتسكيو” وفلاسفة التعاقد ومنظري كل التحولات الغازية إلى حدودنا نحن، الذين كنا مقتنعين أنه لا يوجد عندنا ما يتعلموا منه ،بحكم تصديق متطرف لا أعرف من أين يتم استدخاله واستبطانه، وبعد ذلك استثماره على شكل أنه قواعد للسلوك العام !

فيما نحن هنا استطعنا على الأقل تفادي الموت الجماعي من خلال استباق سيادي لا علاقة له بغيرنا ..ويمكنه أن ينسحب على جميع القطاعات غدا ، أن تكون لنا مقرراتنا وأدبياتنا وإعلامنا ومنظرينا في كل الميادين.

أجد فرصة كورونا تمنحنا القيام بتأملات حقيقية، إلى أن أسطورة الغرب تحطمت بكل ما لديها وعلى جميع المستويات ، وأن أمما بعد هذه الكارثة ستستثمر ذلك لصناعة جنود خفائها ، لإعادة الثقة في المدرسة والصحة وطبيعة الاستهلاك، وتمرين العائلة ومؤسسة الأسرة على معايير للسلوك تنهل من قناعة أننا الأجود، وإضفاء العقلانية على مؤسسة الدين، وتمكين الاقتصاد، وتجويد الإعلام، وتخليق السياسة .

الآن توضحت الخطوط الكبرى والباقي مسألة وقت ، سنصنع إذا كنا حتما قادرين على منح أبنائنا فرصة تشييد بلدان هي بالنهاية لا تنتمي لا إلى دول العالم الثالث، ولا كل التسميات التي كان المراد منها “عزل ” العالم بإمعان في فكرة هذا العزل ذات الأهداف، التي ليست سوى أداة للتحكم ،يدبرها فصل “الترسانة” العسكرية التي” تجوزت” Dépasséeهي الأخرى ..مقنعة الجميع أن العالم اليوم يحتاج إلى التنفيس الذي يتغذى من التضامن والتآزر والوحدة الوطنية.

كرونا تكره قيم السوق الMarketing على ما يبدو؟
اليوم نحن سواء بسواء في كل شيء، بالرغم من أن هناك ضمانات للشغل والمواطنة والحقوق ..هنا يمكن إصلاح هذه الهفوات بتدبير قانوني لا يتسامح مع الفساد ، من هنا إلى غير لارجعة، منها الأموال التي تضيع على الخزينة العامة، والتي يمتصها البعض بجيوبهم بدون أن تفعل أحكام محاكم جرائم الأموال اتجاه مدبري المال العام دورها، عدا ذلك ترسيخ مثل اجتماعية جديدة، ربما سنكون غدا أمة أو أمما لطالما صدقت بحكم، الدعاية، أنها لن تستطيع أن تنهض ..وواكبت الإيمان المطلق بهذه الجرعة السامة . فيما اليوم بإمكاننا أن نضمن أن مستشفياتنا العمومية يمكنها أن تعالجنا جميعا، وأن مدننا يمكنها أن تكون ملاذا سياحيا لنا جميعا ولغيرنا..وأن مواطنينا يمكنهم أن يكونوا نموذجيين أكثر من غيرهم عبر العالم وبدون عقدة ولا تمييز ولا إقصاء لغيرنا.

الأمر برمته لا يتجاوز سوى القطع فقط مع عقيدة امتطت “لاشعورنا”، وتغير معها سلوكنا ،وانتظرنا أكثر من 60 عاما أو أكثر، إلى حدود ظهور كورونا لإسقاط هذه الفرضيات التي لا تعني سوى كون الجميع متساوي في كل شيء..

حتى المواطن هنا هو مواطن صبور بالرغم من “القتل الرمزي ” ومنطق “مهيمن ومهين عليه ” الذي طال أمده ،و الانتهاك الجسيم على مستوى حقوق المواطنة، الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية والمجالية..استجاب هذا الإنسان بسرعة، وأفرغ الشارع العام ، بل ومد يديه في كل قرية لغوت المساكن والفقراء..وهو الذي تدرب منذ عصور داخل أعظم مؤسسة و التي ليست سوى مؤسسة الأسرة ..التي بينت أن المغاربة بالرغم من ظلم الأيام استطاعت هذه المؤسسة تحقيق مكتسبات كبيرة.

في النهاية نرجو أن نتجاوز هذه المحنة بكل العالم الذي ستموت فيه تكتلات وتبنى أخرى..وستتغير فيه مفاهيم الحكم، وكثير من الأدبيات في السياسة والاقتصاد والإعلام والصحة والمجتمع المدني والأولويات..إلى حدود طبائع الاستهلاك التي بينت كورونا أنه بإمكاننا اليوم العودة جرائها إلى دفء العائلة ، إلى طعام البيت الساخن، إلى الاهتمام والرعاية..ببعضنا بعضا.وأن ما يطلق عليه بمفهوم “الفردانية والبراغماتية والمصلحة” الذي حملته قواعد السوق والرأسمالية لا يمثلنا ..لا يمثل قيمنا المنقولة. وأننا قادرون على إنتاج أو “إعادة إنتاج” الجيد فينا الذي كاد أن يكون عرضة للتدمير.

لست منظرا ولا عالما ، ولا أملك القدرة لتفكيك البنيات أكثر، يمكن أن يترك ذلك للباحثين والعلماء من زاوية علم الاجتماع وعلم الاقتصاد والسياسة لاستباق رؤية استشرافية يصدقها الفاعلون وصناع القرار ..مآلها أن بناء الإنسان أصعب من كل الأبنية ، وأن نهاية أسطورة الغرب نهاية حقيقية..وأن شراء عتاد لتصفية الحسابات مع بعضنا البعض صار بالنهاية ليس ذي قيمة..وأن كوبا بالرغم من صغر حجم هذا البلد ومديونيته، وكثرة مشاكله، ونظامه “التوليتاري”، المتحكم المستبد ،كان يقوده رجل استبق بوقت قبل موته أن العالم يحتاج إلى أطباء وليس إلى قنابل ..إلى صناع للحياة وليس إلى هادمين لها، بمعنى يشير إلى تخليق حقيقي وليس زائف ! لمقومات الحياة المشتركة على ظهر الأرض.

اليوم نحتاج إلى دفء الاستماع ، إلى أن نعيد ترتيب الأولويات ..أما المغاربة محليا فإنهم بالنهاية شعب جبار مستمع جيد ، ويحتاج منا إلى الكثير من التضحيات ، لأنه شعب يؤمن بحدوده الجغرافية وسلامتها ،وبسماء هذا البلد وأرضه وسلطته وقرارها. وببعضه البعض..لم تحدث هنا تخليات..لم يتخل فقير عن يتيم، ولا غني عن بسيط..حالات معزولة هنا وهناك لا تهم .
نحن اليوم بالتالي بإمكاننا أن نقدم الدروس من زاوية مركزية “لامتعالية” عبقها إنساني محض ..و على غيرنا بتصديق ذلك واستلهام النصائح والفوائد منه..

التاريخ له كرات ،ومرات تعود الوديان إلى شق نفس المسارات حينما يرجع الماء لمعانقة دياره.
كنت أراجع مجموعة من مواد علم الاجتماع ورواده، وفجأة قبل كتابة هذه السطور شعرت بثقل المتابعة وعدم جدواها ، لأن “القطائع الابسيتمولوجية “أحيانا بين زمن وزمن لا تدعك تصدق أن العقلانية الغربية بإمكانها دائما أن تقدم الدروس…فنحن كذلك لدينا مخزون من العقلانية فقط عليه أن يشتغل وأن نحيد العبث، وأن نعطي الفرصة لأنفسنا بكوننا قادرون على إعطاء الدروس.

 

 

ADS TOP

التعليقات مغلقة.