أزمة الكركرات : من تدبير ملف إلى تدبير الهوامش

العيون الان

بقلم : خالد بوي

للخروج بقراءة واقعية لقرار الأمم المتحدة الأخير المتعلق بالصحراء، لابد من مقارنة الوضع على الأرض ومواقف أطراف النزاع ماقبل ومابعد صدور القرار، ثم ربط كل ذلك يبعض الأحداث والظروف الإقليمية.
فمنذ توتر الأوضاع بمنطقة الكركرات غشت المنصرم كانت جبهة البوليساريو الطرف الأكثر استغلالا للأزمة دبلوماسيا عبر قياداتها وأعضاء أمانتها العامة وممثليها بالخارج خاصة بفرنسا والأمم المتحدة، وإعلاميا على الفضائيات العالمية والمواقع الإلكترونية وحتى ميدانيا من خلال وصول عناصرها لأول مرة إلى أقصى شواطئ الأطلسي غربا، ووضع نقطة مراقبة على الطريق المؤدي إلى موريتانيا، ثم إرغام سائقي الشاحنات التجارية المغاربة المتوجهين إلى موريتانيا على نزع أي ملصقات أو صور تحمل خريطة المغرب كاملة بدعوى اشتمالها مناطق النزاع .
الخطاب المشترك بين كل هذه القنوات (الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية) ظل باستمرار هو اعتبار الكركرات مناطق محررة وأن لاخروج منها إلى الأبد، في حين بدى المغرب وكأنه الطرف الأضعف في المعادلة إذ إلتزم الصمت وتقمص دور المتفرج أمام عناصر البوليساريو وهي تصول وتجول وتستعرض أسلحتها الخفيفة وسياراتها العسكرية على مرمى حجر من قواة الدرك الحربي المرابطة عند نهاية الطريق المعبدة، ثم مالبث أن سحب تلك القواة مباشرة بعدما طالب الأمين العام الجديد للأمم المتحدة من الطرفين سحب قواتهما وإنهاء أي مظاهر مسلحة بالمنطقة .

فما الجديد الذي قلب الموازين وتمخض عنه القرار 2351 ؟ ومالذي جعل البوليساريو تنسحب بهذه السرعة بعد أن رفعت سقف لاآتها عاليا حتى وصلت إلى درجة ربط بعض قادتها الإنسحاب من الكركرات بالبدء الفعلي لإجراءات تقرير المصير بالصحراء ؟
ثم ما السر في تلك النبرة الحازمة واللغة القوية التي تكلم بها مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة على غير عادته والتي لم تستثن منها حتى بعثة المنورسو ذاتها ؟
الأكيد أن وراء الأكمة ماوراءها، والأكيد أيضا أن أي دارس للقرار سيتوصل أن بنوده صبت في معظمها لصالح المغرب، حيث أشار نصه إلى مقترح المغرب للحكم الذاتي ورحب بما أسماه “المبادرات والخطوات التي اتخذها المغرب مؤخرا والدور الذي اضطلع به المجلس الوطني لحقوق الإنسان في منطقتي الداخلة والعيون وتفاعل المغرب مع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة .” ولم يستجب القرار بالمقابل لمطالبات البوليساريو بوضع آلية لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء ومراقبة الثروات .
فهل يمكن إيعاز ذلك إلى نشاط الدبلوماسية المغربية مؤخراعلى المستوى الإفريقي وبأمريكا اللاتينية ؟ والتي يظهر أنها بدأت تركز على الدول الحليفة للبوليساريو (نيجيريا، جنوب السودان، كوبا نموذجا) وترمي إلى الترويج لوجهة نظر المغرب و العمل على إقناع تلك الدول -على الأقل- بإتخاذ مواقف محايدة تجاه النزاع، في مقابل نكوص دور حليفي البوليساريو الأساسيين الجزائر وجنوب إفريقيا وتراجع تأثيرهم على المستوى الدولي بسبب الأزمات الإقتصادية الداخلية وأزمة الرئاسة بالبلدين (مرض بوتفليقة وتورط زوما في فضائح فساد) .
حدث آخر لابد من تسجيله وهو تزامن صدور القرار 2351 مع الدورة 14 لمناورات الأسد الإفريقي، خاصة أن من أعد مشروع القرار ليس سوى الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الأساسي للمغرب في هذه المناورات، والتي يعتبر المغرب بالنسبة لها الحليف الإستراتيجي الأول خارج حلف الناتو، هذه الدورة تشارك فيها دول لايخفى على أحد تأثيرها الوازن على ملف الصحراء، البعض منها أعضاء في مجموعة أصدقاء الصحراء نقصد هنا مثلا دولا كفرنسا وبريطانيا وإسبانيا، إلى جانب كندا وموريتانيا ومالي والسنغال وتونس، هذا ومما يلفت الإنتباه أن موضوع المناورات حسب بيان للقواة المسلحة الملكية كان هو : ” قضايا تروم النهوض بالاستقرار والأمن بمنطقة الساحل وشمال إفريقيا وأمن الحدود البرية والجوية والبحرية والاستراتيجيات الإقليمية لمحاربة التهديدات العابرة للحدود والحركات المتطرفة ”
وبربط هذه بتلك (الدول المشاركة في المناورات، موضوع المناورات، أزمة الكركرات والقرار 2351) نستنتج أن تدبير المغرب لملف الصحراء تطور كثيرا وانتقل من مرحلة ردات الفعل إلى انتهاج أسلوب “لاعب الشطرنج” أو مرحلة الإعداد المسبق للخطوات واحدة تلو الأخرى، فبالنظر لأسباب إندلاع أزمة الكركرات ومآلاتها يمكن القول أن دبلوماسية المغرب باتت تسبق دبلوماسية البوليساريو بخطوتين إلى الأمام :
فمن جهة، استطاع المغرب إستدراج جبهة البوليساريو لإدخال عناصرها بآلياتهم إلى المنطقة العازلة جنوبا والدخول في مواجهة إعلامية واسعة لم تكن نتائجها على الأرض على قدر الشعارات التي أطلقتها منابرها حول طبيعة وجود تلك العناصر بالكركرات وروجت لها على أنها وضع جديد ثابت ولامحيد عنه، ومن جهة أخرى تمكن من تغيير إهتمامات مجلس الأمن من البحث في جوهر النزاع إلى موضوع جانبي متمثلا في الحضور العسكري لطرفي النزاع بالمنطقة العازلة ودراسة الحلول الممكنة لإنهاء مظاهر التسلح بها، مع تقزيم دور المينورسو إلى أدنى مستوى بإقتصاره على تخفيف التوتر واستلام البلاغات بخصوص الإستفزازات المرتكبة من الجانبين، لينتهي الموضوع في فحوى القرار الأممي بالشكل الذي يناسب التوجه المغربي، في حين وجدت قيادة الجبهة نفسها مضطرة لتبحث لها عن تبرير أو مخرج ولو عبر نصر معنوي بين مفردات اللغة، بإعتبار إنسحاب عناصرها والذي رصدته بعثة المينورسو ورفعت تقريرا بشأنه إلى قيادتها المركزية ورحب به الأمين العام، هو بالنسبة لها مجرد إعادة انتشار الغاية منه الحفاظ على إتفاق وقف إطلاق النار ! وهي الزلة التي إلتقطها المغرب واشترط مغادرة جميع عناصرها للقبول باستئناف المفاوضات والتعامل مع البعثة الأممية .
بين اشتعال أزمة الكركرات وإنتهاء فصولها نجح المغرب في إشغال قيادة الرابوني في معركتين جانبيتين داخليا وخارجيا، فداخليا أدى القرار 2351 إلى موجة غضب بين أنصارها بسبب سوء إدارتها لمخرجات الأزمة، أما خارجيا فقد إنتقلت من موقع المبادر و”المسيطر” إعلاميا وعسكريا إلى موقع المدافع الذي يبحث له عن تبريرات وأعذار تجنبه غضب المنتظم الدولي وخسارة حياد مفترض لقوى كبرى مؤثرة في النزاع .

 

ADS TOP

التعليقات مغلقة.