تدوينة “مهر أو “عهر”…” بقلم بشري أكدير

العيون الان

كان أهل الصحراء قديما يزفون العرائس بما تيسر، فلا ضرر ولا ضرار.
فتجد أحدهم يخطب لابنه سليلة الحسب والنسب. فيبدأ البحث أولا بالمحيط العائلي، فإن وجد المبتغى فهو المنى، وإلا فتقصد خيام الدين والشرف والعفة و”المعنى”.
فيتفق الكبار على الخطبة ويضربون للزواج موعدا.
فإذا جاء آجله فلا يستاخر ساعة، و يكون سهلا، على بينة وهدى من الله، فيهدي أهل العريس لأهل العروس ما تيسر من “خنش” السكر المربوطة ب”اغبان” و”خنشة” دقيق، و “دنادين” الزيت، عرفا سارت به الركبان، حتى خلده المغنون في فنهم “يا دنداني سلمت عليك، خنشة سكر، دندان الزيت…”
فضلا عن ذبيحة، وبعض الملابس و “لكراك” وبعض القرنفل و المسك، و”سراريح” لتسريح أشعار (جمع شعر) النسوة ومرايا صغيرة، وبعضا من أحجار الكحل وغيرها مما تيسر.
فيلتقي الفريقان ضاحكين مستبشرين، حامدين الله تعالى على “ملكى الدنيا” على خير.
أما المهر، فلم يكن ليناقش، أو يخضع للمزايدة رفعا ولا خفضا.
فالأوائل يتوسمون خيرا في المصاهرات، ويمدون علاقات القرابة والتعارف العابرة للقبائل، دونما اعتداد بالنسب أو “الرزغ” أو غيرها.
فلا يشترط حد لأعلاه، ولا يوضع قدر لأدناه، اللهم ما درج الناس على التمييز فيه بين مهر البكر والثيب “العزبة والهجالة”، أما ما عداه فلا شرط فيه ولا فرض.
فيولم الناس بشاة أو اثنتين وتبنى الخيم، و تعلو الزغاريد و مواويل “التسنكيف” وتعم الفرحة أياما بلياليها وتوصل الأرحام، و يتسامح الناس و”يتغافرون” مرددين أدعية مأثورة عن أجداد قضى عليهم الموت وبقي كلامهم خالدا في الناس “الله يسمح لنا ما في علم الله…… ويجعلو ملكى اللبن والرغوة”
هكذا ينطق المستقبلون، ولما يعزم الضيوف على الرحيل يدعون لهم بالبركة قائلين” الله يعملنا نخلو لكم ل خلات اسحاب للتراب، ….. يعمركم لا يخليكم”
وتتعاظم عبارات التخيير المتبادلة “وخيرت.. وخيرت.. و وخيرت”…مرارا وتكرارا.
هذا عن زمن الأولين.
أما حاضر الآخرين (بكسر الحاء) فيتعين على العائلات التي تعتزم المصاهرة، أن تلج “بورصة القيم” وتخوض صولات وجولات من المزايدات والمزادات في سوق السمسرة البشرية.
فيسأل عن مهنة العريس ودخله، وهل له سكن، أم مع أهله سيقطن؟!
ثم يأتي دور المهر، فيكثر السؤال عن النحيرة، وعما سيوثق في عقد الزواج؟ وهل سيسلم المهر كاملا مقدما، أم فيه شطر مؤخر؟ وهل سيتم الاكتفاء بالنحيرة، أم ستكون معها رزمة -أو لنقل- رزما من المال؟ وعن “كراطين” السكر؟ وعن حقائب العروس وحليها ولوازم زينتها ؟ ولباس أهلها المقربين وغيرهم؟
وعن وعن؟؟؟!!!
وقد تجد “بعض” أهل العروس متجهمين، وجوههم مسودة شاحبة، كأنما “يساقون إلى الموت وهم ينظرون” من فرط السهر، وتعب التحضير والاستعداد ليوم ليس هو يوم المعاد.
نعم إنه يوم موت مالي ومادي، بل هو أشبه بالانتحار!
في حين تنبري المتلصصات كما المتلصصون، ينظرون ويسجلون كل كبيرة وصغيرة متعلقة بموكب العرس المسمى محليا “الدفع”، وفي رواية اخرى “الدفوع” بالمد.
بل كثيرا ما يغفلون عن الجليل، منصرفين إلى الحقير من صغائر التفاصيل، كعدد السيارات ونوعها، وكم القادمين وعدد القادمات. و قد يبدأ التبرم ظاهرا للعيان في حال أكثر أهل العريس من عدد المرافقين، ويبدأ الغمز واللمز بتوعدهم بالرد في اليوم الموالي، “إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب”.
فلم تعد الشاة تكفي ولا القطيع، بل تجد أحدهم تكلف ما لا يستطيع، فتنحر الإبل فرادى ومثنى وثلاث ورباع على سبيل الدين حينا.
ويجهز على مستودعات بأكملها من الدواجن وقد لا تكفي، و تقتنى أسواق بأكملها من صنوف الفواكه المختلفة والغالية الثمن، على سبيل الاقتراض أحيانا.
كيف لا، والعرس عندنا اليوم، تؤمه الناس من سبع مدن أو تزيد، فمن الداخلة جنوبا إلى كليميم شمالا، بستدعى الأقارب والأصدقاء، وقد يتجشم عناء السفر قادمون من “التل” وربما من دول المهجر.
ومع ذلك ما يزال الخوف من “لفظاحة” وعدم كفاية المؤن المقتناة والمحضرة، مخيما على عقول المولمين (أصحاب الوليمة)، فبحسب امرئ من الخسارة أن يجمع التقيضين الإنفاق والفضيحة، “أزاكول ولفظاحة”.
ثم يأتي دور الإشهار بمعناه التجاري لا الشرعي، فيعدد المهر تعداددا وتفصيلا، حتى تستخرج “الألبسة الداخلية” والمنامات، والعطور وهدايا حميمية لا يليق أن تذكر، فكيف بها لمن هب ودب تعلق و تنشر، حتى تصير خالدة في أذهان العامة قبل الخاصة، نتيجة التسجيل الكامل لمجريات العرس بالفيديو، ونسخه ونشره ذات اليمين وذات الشمال، حتى إنك لتجد نفسك عريسا على قناة “اليوتيوب” العالمية، هذا العرس الذي قد ينجح، مثلما قد يفشل لا قدر الله.
لتدخل العائلتان في دوامة من الدين، المرتبط عندنا في المخيال الشعبي ب”سخط الوالدين”.

ADS TOP

التعليقات مغلقة.