صندوق المقاصة “يتبرع” على الأغنياء بـ400 مليار سنويا

العيون الآن

معطيات جديدة ومرقمة ومشتركة بين هيئة وطنية وأخرى دولية، تكشف عمق الفوارق الاجتماعية التي يعرفها المغرب، وكيف تساهم أموال الدعم الاجتماعي في تعميقها. دراسة مشتركة هي الأولى من نوعها بين المندوبية السامية للتخطيط والبنك الدولي، تقول إن أنظمة الدعم الاجتماعي التي تلتهم عشرات الملايير من الدراهم سنويا، لا تخدم مصلحة الفقراء الذين أحدثت من أجلهم، بل يصب القسم الأكبر منها في جيوب الأغنياء و”المتوسطين”.

أبرز نموذج وأكثرها ارتباطا بالاستعدادات الجارية لحذف صندوق المقاصة الذي يتحمّل ثلثي سعر قنينة غاز الطبخ المنزلي، هو التوزيع الذي كشفته الدراسة للاعتمادات المالية الموجهة لدعم غاز البوتان. الدراسة المشتركة تخلص في نهايتها إلى نتيجة مشابهة لما ورد في الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح السنة التشريعية، والمتمثلة في ضرورة تغيير النموذج التنموي القائم في المغرب. “المغرب يحتاج إلى نموذج تنموي دائم ودينامي، يسمح باللحاق بالدول المتقدمة. فبمعدل النمو المسجل حاليا، سيحتاج المغرب إلى 42 عاما لبلوغ مستوى التقدم الذي بلغته البرتغال حاليا، و53 عاما لبلوغ مستوى التقدم الحالي في فرنسا”.

الخمس (20%) الأكثر فقرا من الأسر المغربية، لا يصل مجموع ما يصله من الدعم المالي الموجه لغاز البوتان، 14% من إجمالي الاعتمادات السنوية، والتي تصل حاليا إلى أكثر من 10 ملايير درهم. في المقابل، تحصل الأسر المنتمية إلى الخمس الأكثر غنى بين المغاربة، على ضعف هذا الدعم المالي، أي قرابة 27% التي تعني قرابة 3 ملايير من الدراهم. فيما تذهب الاعتمادات المالية المتبقية، أي حوالي 60% من دعم صندوق المقاصة الخاص بغاز البوتان، إلى الـ60 في المائة المتبقية من الأسر المغربية، والتي تصنف في موقع متوسط بين الأسر الغنية وتلك الأكثر فقرا. معطيات تفيد أن الفقراء والمحسوبين على الطبقة المتوسطة، سيدفعون ثمن التوزيع غير العادل الذي تقوم به الدولة لاعتمادات صندوق المقاصة. فرغم أن حصة الفقراء من هذا الدعم ضعيفة، إلا أنها تعتبر أساسية في نفقات الأسر مقارنة بحجم دخلها المتواضع.

هذا الاختلال في توزيع اعتمادات صندوق المقاصة، حسب الفئات الاجتماعية، يعتبر شاملا ويهم باقي المواد المشمولة بالدعم، بل إنه يتفاقم أكثر. فحصة الخمس الأكثر فقرا من الأسر المغربية من الاعتمادات المالية المخصصة للدقيق المدعم، ينخفض إلى 12.4 في المائة، مقابل ارتفاع حصة الخمس الأكثر غنى إلى قرابة 30 في المائة. وفيما يستهلك الخمس الفقير من الأسر المغربية أقل من 15% من الدعم الموجه لمادة السكر، تستحوذ الأسر الأكثر غنى على 26.6% من هذا الدعم. لتكون النتيجة النهائية أن الـ20% من الأسر المغربية الأكثر غنى، تستحوذ على ضعف ما يصل إلى 20% من الأسر الأكثر فقرا، أي 14 في المائة مقابل 28 في المائة، وهو ما يعني أن الأسر المغربية الأكثر غنى تستحوذ على أكثر من 4 ملايير درهم من صندوق المقاصة حاليا.

بعد إلغاء الدعم الموجه للمحروقات، وما ترتب عنه من ارتفاع في نفقات الأسر الخاصة بالنقل والأسعار، تعتزم الحكومة الشروع قريبا في حذف الدعم الخاص بمادة السكر، دون أن ترافق ذلك بأي خطوة لدعم الأسر الفقيرة والهشة. ورغم ربط الحكومة الحالية سحب دعم المقاصة الخاص بغاز الطهي، بإحداث “بطاقة للفقر” تخول لصاحبها الحصول على غاز مدعم، إلا أن هذا المشروع يرتبط بقاعدة بيانات في طور التحضير، تستند أساسا إلى معطيات نظام “راميد” الذي يشمل الأسر الفقيرة جدا فقط. رفع الدعم نهائيا سيجعل الأسر المحسوبة على الطبقة المتوسطة الدنيا، تتحمّل عبئا ماليا كبيرا قد ينزلها إلى خانة الفقر والهشاشة.

الدراسة تقول في خاتمتها إنه ورغم المجهود الكبير الذي يقدمه المغرب من حيث الاستثمارات في البنيات التحتية الاجتماعية، فإن الفوارق الاجتماعية والمجالية تظل مرتفعة. “إجمالا، فإن النفقات المالية المخصصة لصندوق المقاصة والتي تسمح بالولوج إلى التغطية الصحية والتحويلات المؤسساتية، كلها تصب في مصلحة الأغنياء. فالميسورون، سواء كانوا في المدن أو القرى، يحصلون على الحصة الأكبر من الخدمات والتحويلات الاجتماعية”. وضع تقول الدراسة إن تجاوزه يفرض على الدولة لعب دور أكبر في تقليص الفوارق الاجتماعية، “خاصة منها الفوارق الناجمة عن الاختلاف الكبير في دخل الأسر”.

المصدر:اليوم 24

ADS TOP

التعليقات مغلقة.