العيون الان
بقلم : نجاة حمص
نتي منت من؟
من بين الأسئلة التي لا تدرس لنا ولا يعطى لها ما يجب أن يعطى من أهمية وقدم سبق: “أنت ابن من؟” أو “آنت ابنة من؟”,خاصة وأننا من حاملي رمز بطاقة “SH” ومن ساكنة الأقاليم الجنوبية,يعني وسط القبلية والتمييز العنصري في أحلى تجلياتهما..
كنت اسمع دائما عن الزبونية والمحسوبية و”باك صاحبي”,وكنت أحاول أن اعرف ما يشعر به أولئك الذين تعرضوا للإقصاء بسبب شجرتهم العائلية البسيطة أو فقر حمضهم النووي,لكن لم يجل بخاطري اني سأكون ذات يوم ممن يكوى بذلك السؤال الغريب إياه,وفي اكبر إدارة بالجهة الجنوبية الفاضلة..
من سوء الحظ أن يلتقي الإنسان بشخص من أولئك الذين يحاولون إبداء أهميتهم بعرض خدماتهم ” أي شيء أستاذة أنا بالخدمة”, لكنه حدث معي,كان غباء مني أن اسلم طلب التدريب لصديق فيسبوكي حتى ولو كان شخصية سياسية بارزة,لكنني فعلت,وبدأت “السطاج” بكل حماس..
كنت على استعداد للمشي نصف ساعة من اجل إيجاد طاكسي,وان أبقى آخر واحدة في المكتب,واستأذن قبل الخروج واعتذر عند التأخر وكل ذلك الباذنجان السخيف,الذي أراه الآن على الأقل في قمة السخف ,لكن كانت لدي عادة “جبدت” علي النحل,وهي عادة وضع رجل على رجل أضف إليها الكثير من الأناقة غير المتعمدة ورشة من عدم تقديس الأشخاص وبعض الانشغال بما يهمني فقط,كل ذلك وضعته في خلاط وضغطت الزر لأحظى بصورة جعلت مدير المصالح كلما التقى بي يطرح علي سؤاله الأثير “نتي منت من؟”..
أول مرة طرح علي السؤال كان مع خيارات “نتي منت فلان ولد اهل فلان؟ ولا منت فلان العلاني؟”,وعندما لم أجد اسم والدي بين الخيارات المطروحة أجبت بالنفي,واصلا لم أكن اعلم أن ذلك الشخص هو رئيس المصالح,المكتب كان يعج بالموظفين والموظفات وبعض الذين لا اعرف لهم داع,فأنا لم أكن أريد أن اعرف من هو الرئيس أو المدير بقدر ما كنت أريد إنعاش ذاكرتي للعودة إلى العمل المكتبي,وفي المرة الثانية وقف علي السيد المدير وكان ينظر إلى وضعية الساق على ساق,كان في قرارة نفسه يعتقد أني ابنة شخص معروف حتى اجلس هكذا,لم يكن ليعرف أنها مجرد عادة التصقت بي منذ الصغر,ولم يكن ليخمن أني أصلا لا اعرف من يكون هو,هذا الذي يسأل,,فلم يعرفني احد على الموظفين وأنا لم يكن لدي من الفضول ما يدفعني للسؤال..
في المرة الثالثة,كان فاعل الخير الفيسبوكي قد اخذ على خاطره,ربما لأنني لم أقدم المقابل الذي كان يتوقعه ولا اعرف ماذا كان,لكني رفضته,وعندما جاء صديقه المدير الفاضل,و سألني “نتي منت من؟”” أنبأتني غريزتي الأنثوية أنها آخر مرة سيطرح علي هذا السؤال,رفعت عيني إليه واستغرقت في التأمل لحظات,قبل أن أجيبه بكل هدوء “أنا مواطنة”,فابتسم لي ابتسامة رائعة ههه مما جعلني أقول للفتاة بجانبي “أودعك آخر وداع”,وطبعا بعدها استدعى “RH” وهو من أصدقاء صديقي الفيسبوكي الغضبان,وفي الأخير جاء ليعلن عن التوقيف الرسمي,نظرا لقصور شجرتي العائلية ولاني لست ابنة شخص مهم,في نظره هو..
حاولت أن أتناسى الأمر,لكني لم استطع,وبعد اشهر كان لي اتصال مع الرئيس,الذي أخذته الحماسة عندما سمع بالأمر,فطلب مني الرجوع واختيار المكتب الذي أريد,طبعا طلبت المكتب الذي له علاقة بآخر شهادة حصلت عليها بطلوع الروح :”RH”,لكن قبل هذا طُلب مني أن التقي بمدير المصالح,الذي وجدته في استقبالي و حلف بأغلظ الإيمان انه لا يتذكرني,وبعدها مال نحوي متسائلا “نتي من أي الناس؟”,”علاه لابسة الملحفة؟”,حاولت أن اذكره بي أو باليوم الذي جئت فيه لتسلم شهادة التدريب فانهال علي بالكلام الساقط,الذي منعتني سماعات الأذن من سماع نصفه,لكنه كان يعاود الترحيب والسلام كل مرة افتح فيها فمي,لابد أن اتصال السيد الرئيس قد اغني عن معرفة أنا ابنة من..
أُمرت بالالتحاق بمكتب RH فذهبت, وهكذا لاحظت التلاعب بالأوامر, كان مدير المكتب يقلب الأمر في رأسه وهو يؤمرني تارة بالجلوس وتارة بحمل حقيبتي واللحاق به,قبل أن يعود ويجلس,بعدها استقبل مكالمة جعلته يصحبني إلى ملحق المكتب,ثم انصرف وناداني,وبعد أن خرجت أغلق الباب بالمفتاح و أخذني ورماني في مكتب مهجور بعيد.أعطاني كتابا وطلب مني الاستمتاع بمشاهدة صوره ههه..
عاودت الاتصال بالرئيس,واتصل الرئيس بالمدير,الذي كلم مدير “RH”,أصدروا إليه آمرا بضرورة بقائي في مكتب RH,وطبعا لابد انه اخبرهم أني فعلا في مكتبه,بينما كنت ألون الصور في ذلك المكتب المهجور,لم يكن بإمكان احد أن يصدق متبرجة ويكذب رجلا يحمل علامة السجود..
كان المكتب في نهاية ممر طويل مظلم,كان مهجورا, وحيدا,وكنت اشعر بالخوف,ليس من البشر لكن من الأشباح,وكلما سمعت وقع أقدام كان قلبي يسقط بين قدمي,وأنا أتخيل كل شخصيات أفلام الرعب التي أدمن عليها,لذلك رجعت إلى مدير المصالح لعله يكلم مدير RH أو ينقلني إلى مكتب أخر,ومن سوء حظي كان في إجازة..
في النهاية,عرفت أن ليس للرئيس سلطة على موظفيه,فهكذا يتعاملون مع أي أبناء المواطنين العاديين,يعاملونهم هكذا ليدفعوهم إلى مغادرة “السطاج”,لن يكون هناك قيمة لما سأقوله أمام أقوال مدير RH صديق ذلك الصديق الفيسبوكي الذي اخذ على خاطره عندما لم أطيبه له, لابد انه لعب على الوتر الحساس,لابد انه اخبرهم أني كاتبة في جريدة الأخبار,لكنه لم يقل لهم أني اكتب فقط في عمود ممنوع على الرجال,لابد ان لديه سلطة لا يملكها الرئيس نفسه,فقد سبق واخبرني ان المكان ملك له,كانت اللعبة اكبر مني ومن الرئيس الذي لم تكن لتعليماته ولا لأوامره أية أهمية,بعده عن مقر عمله سيمنعه من معرفة ما يدور هناك..
في باقي الدول,وباقي المدن,الصعوبة تكمن في إيجاد عمل,لكن في مدينة العيون,من الصعوبة بما كان الحصول على تدريب أو “سطاج” حتى بتعليمات من أعلى مستوى
التعليقات مغلقة.