أطلقت الحكومة في 2016 برنامجا يروم تأهيل وتكوين خريجي الجامعات وتمكينهم من الكفاءة اللازمة التي من شأنها تسهيل إدماجهم في سوق الشغل، أطلق عليه إسم «برنامج تأهيل 25 ألف إطار من حاملي الشهادات». آلية جاءت للمساهمة في التخفيف من ضعف اندماج خريجي المؤسسات الجامعية في سوق الشغل، والتقليص من نسبة الخريجين العاطلين عن العمل، ورُصد لهذا البرنامج الذي وقّع على اتفاقه الإطار إلى جانب الحكومة، الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب، والوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات، ورؤساء الجامعات، مبلغ 500 مليون درهم على مدى ثلاث سنوات.

برنامج تلقاه الخريجون العاطلون، الذين منهم من هو حاصل على الإجازة، ومن يتوفر على شهادة الماستر والدكتوراة، بكثير من التفاؤل، ورأى فيه كثير منهم المنقذ لهم من سنوات الضياع والعطالة والعالة، الذي سيسمح لهم بولوج سوق الشغل، وصون كرامتهم التي كثيرا ما تم دوسها، لكن وخلافا لذلك تبخّرت كل تلك الآمال التي تبيّن فيما بعد أنها أحلام اصطدمت بواقع سوداوي، لم تغيّر من قتامته، شهادة الكفاءة المهنية الجديدة التي انضافت إلى سلسلة شواهد سابقة، وحالت دون تحقيق مبتغاهم الدستوري!

لم يتمكن الخريجون من الوصول إلى آفاق البرنامج الوردية وملامستها، خلافا لعدد من التصريحات الرسمية التي يتم إطلاقها بين الفينة والأخرى، والتي يعاكس مضمونها الواقع الفعلي لأطر هذا البرنامج الذين راسلوا، ناشدوا، ووقفوا وساروا احتجاجا، رفعوا اليافطات، وأثثوا الشوارع وجنبات مقرّات الولايات باللافتات، وصدحت حناجرهم بالشعارات، في محاولة للفت انتباه المعنيين إلى معاناتهم، لكن صرخاتهم تلك لم تسعفهم، لحدّ الساعة، إذ لم يتم التفاعل معها وفق الانتظارات، بل أنه تم السعي لتكميم أفواههم وتطويقها، في عدد من المرّات، وانهالت على أجسادهم الواهنة لإسكاتهم الهراوات؟
“برنامج تأهيل 25 ألف إطار من حاملي الشهادات”، يؤكد الخريجون أنه فشل، معربين عن خيبة أمل عريضة لم يكونوا يتوقعونها وهم يخطون خطواتهم الأولى في مشواره بحثا عن أفق أرحب يخرجهم من دوامة التيه التي كانوا يعيشونها خلال يوميات العطالة، وأمام انسداد فسحة التفاؤل الضيّقة التي انبعث منها بصيص الأمل يوما، وهم الذين يقدّر عددهم ضمن الفوج الأول المعني بهذه المرحلة التكوينية، بحوالي 8 آلاف شاب ورجل، بالنظر إلى المراحل العمرية المتباينة لأن منهم من تجاوز 45 سنة، وهو معطّل اليوم بدون عمل، عملوا على تشكيل تنسيقيات جهوية، للمطالبة بإدماجهم في سوق الشغل، وهو ما دفعنا لمجالسة عدد من أعضاء التنسيقية الجهوية بجهة الدارالبيضاء سطات، يوم الجمعة الأخير، حيث أمكن لـ “الاتحاد الاشتراكي” الوقوف على حجم المعاناة ومنسوب الألم الذي يحسونه، ليس لوحدهم وإنما معهم أسرهم، التي هي الأخرى تأمل في أن يتغير حال بناتهم وأبنائهم إلى ماهو أحسن، وترجو أن تخطو الحكومة خطوة لاحتضان هذه الفئة من المواطنات والمواطنين، الذين تعلّق عليهم عائلاتهم الكثير من الآمال، حتى يضمنوا استقلالية مادية ومعنوية، ويشكلوا قيمة مضافة في خدمة وطنهم.


مسار برنامج :

“برنامج تكوين 25 ألف مجاز، جاء بعد نضالات طويلة للمجازين المعطلين، الذين شهدت الشوارع العمومية فصول احتجاجاتهم المختلفة بشكل رئيسي في 2011، وقبلهم الدكاترة والحاصلون على دبلومات الدراسات المعمّقة، حيث كان الجميع يطالب بالحق في الشغل، وقدمت في سبيل ذلك حركة المعطلين شهداء وضحايا ومعتقلين…”، هكذا اختار بن خليفة رضوان، عضو التنسيقية الجهوية لخريجي البرنامج الوطني 25 ألف إطار، بجهة الدارالبيضاء سطات، الحاصل على الإجازة في القانون الخاص سنة 1999، وعلى تكوين في مجال العلاقة بالزبائن في الأبناك وقطاع التأمينات، تقديم الموضوع من خلال شهادته، مضيفا “كانت لدينا لقاءات مع رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، وكان جوابه على مطلبنا بالإدماج في الوظيفة أننا فئة غير كفؤة لذلك يجب أن نستفيد من تكوينات، وهو ما اتفقنا معه عليه، على أساس الإدماج في الوظيفة من خلال مباريات شكلية”.
رضوان، وفي سرده لتطور مراحل البرنامج، أوضح أن رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران، “فعّل خطوات التكوين، وأخذ بعين الاعتبار الأشخاص الذين عانوا مدة طويلة من العطالة حتى يستفيدوا منه، وكان من بين أهدافه تسهيل إدماج حاملي الشواهد في سوق الشغل، لكن للأسف وبعد استيفاء مرحلة التكوين، التي تم ولوجها من خلال مباراة كتابية وشفوية، وانتقاء المستفيدين باعتماد مجموعة من المعايير، اصطدمنا بواقع بعيد كل البعد عما تم الالتزام به، إذ تبخّرت الوعود، وتملّص شركاء البرنامج من تعهّداتهم، وعلى رأسهم الباطرونا، وتم الضرب بعرض الحائط كل الالتزامات الموقعة مع الحكومة لإدماجنا، ونحن الذين نتوفر اليوم على كفاءة مهنية تتوزع مابين القطاع الخاص وشبه الخاص والعمومي”. وأضاف المتحدث “إن الحقيقة التي نعيشها اليوم تتمثل في كون القطاع الخاص قد تخلّى عن تشغيلنا، وكذلك الأمر بالنسبة للقطاع العام وشبه العمومي، إذ على نفس المنوال سارت عدد من الوزارات التي تملّصت بدورها من مسؤوليتها حيال هذه الفئة وهذا التكوين، لدرجة أن مباريات التعليم بالتعاقد، تم إقصاءنا في مرحلة الانتقاء الأولي، بل أنه حتى في المهن الأخرى وجدنا عدة مشاكل من بينها السن المتقدّم، كما هو الحال بالنسبة لخطة العدالة والمحاماة والمفوضين القضائيين، علما أنها مهن حرة ولاتندرج ضمن الوظيفة العمومية”.
معيقات بالجملة

من جهته، أكد إد امبارك خالد، حاصل على الإجازة في التنمية الإنسانية، وشهادة التكوين في مجال الاقتصاد، “أن ظروف الإعداد للبرنامج وتنزيله الزمنية والسياسية، تزامنت والتحضير للاستحقاقات الانتخابية، مبرزا أن برنامج تكوين 25 ألف مجاز، تم التعامل معه كورقة انتخابية صرفة، استعملها رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، من أجل استقطاب أصوات مهمة من أوساط المعطّلين، وأرفق التحضير لها بهالة إعلامية كبيرة، وبعد أن قدّم هذا البرنامج ما هو منتظر منه من زاوية واحدة، تم إهماله، وهو ما يترجمه واقعنا اليوم” ؟
وأوضح عضو التنسيقية الجهوية بجهة الدارالبيضاء سطات، أن “ولوج البرنامج لم يكن بالأمر اليسير، وتطلّب ذلك خضوع المستفيدين لعدد من المساطر، انطلاقا من عملية الانتقاء الأولي، مرورا بالمباريات، وصولا إلى ولوج مرحلة التكوين، كل في تخصص معيّن”، مضيفا” اصطدمنا بعد مرور الانتخابات بمذكرة تسعي بعد 3 أشهر من التكوين لتغيير اسم البرنامج من ( شهادة الكفاءة المهنية ) إلى ( استكمال التأهيل )، فواجهنا الأمر برفض جماعي، وتطلّب منا ذلك الاحتجاج مرّة أخرى والنضال ضد هذه الخطوة، والتشبث بما التزمنا به ووقّعنا عليه جميعا، إلى أن تم التراجع عن هذا المخطط”!
وأبرز خالد بدوره مراحل التكوين في إطار هذا البرنامج، وبالأشواط التي قطعها الخريجون، وهم الذين تنافس كل ألف مرشح على 20 مقعدا للتكوين، حضر فيها الشقّ النظري والتطبيقي، مرورا بالتداريب الميدانية، وفي نهاية البرنامج اجتاز المعنيون مقابلات شفوية وامتحانات على أساس تسلم شهاداتهم، موضحا في هذا الصدد، “أنه خلافا للمدة التي نصّ عليها الاتفاق الإطار بخصوص مدة التكوين، والتي تتراوح مابين 9 و 12 شهرا، فقد قضى المستفيدون من البرنامج مدة بلغت سنتين، وفي نهاية المطاف تبيّن على أن الشواهد/الدبلومات هي فارغة من محتواها، وغير ذات قيمة، مما جعلنا نطالب بأن يكون لها مرسوم حتى تكون ذات قيمة، مادية ومعنوية، بالنظر إلى كل المراحل التي قطعناها.
إهدار للطاقات

ساجد يوسف، عضو التنسيقية، حاصل على الإجازة في الكيمياء متخصص في الجودة، اختار أن يسلّط الضوء في مداخلته على نقطة بالغة الأهمية، تتمثل في تشكيل لجنة قبل الانخراط في البرنامج عُهد إليها القيام ببحث للوقوف على الخصاص الذي تعرفه كل قطاعات الدولة، هذا التشخيص الذي بناء عليه تم تحديد برنامج متعدد الاختصاصات عدد مجالاته التكوينية يصل إلى 32 مجالا، لكن وبعد أن انخرط فيه الجميع، وتم استيفاء مدة التكوين بفترة التمديد الذي عرفته، لم يتم استثمار الطاقات التي تم تكوينها، والتي كان من الممكن أن تشكل قيمة بالغة الأهمية في القطاعات التي هي في حاجة إلى أطر من هذا القبيل.
نقطة أخرى، وقف عندها ساجد، وهي الخلط مابين البرنامج الوطني لعشرة آلاف إطار الذي له علاقة بقطاع التعليم فقط، وبرنامج 25 ألف إطار الذي تم تكوينهم في تخصصات متعددة، “وهو ماجعلنا نقف على أجوبة وردود مجانبة للصواب”، يؤكد يوسف، مضيفا “عدد من المسؤولين يصرّحون في أجوبتهم عن واقعنا بأنه تم إدماجنا في قطاع التعليم، والحال أن الأمر لايتعلّق بنا، وبالتالي فهذه التصريحات هي عبارة عن مغالطات وجب تصحيحها”.


“خلال نضالاتنا لم نجد آذانا صاغية، ولا جهة تريد محاورتنا، علما أن الأمر يتعلّق ببرنامج حكومي، صرفت عليه ميزانية جدّ مهمة، وهي التي عملت على تقييمه رسميا، لكن لم يتم التصريح بما تم الوقوف على ما الذي مكّن من تحقيقه وأوجه القصور، لأنه وبعد 3 أشهر، لم يتم لحدّ الساعة الإعلان عن أية خطوة أو نتيجة في هذا الباب” يؤكد يوسف، وهو يتحسّر بالنظر لحجم اليأس الذي يدبّ في أجسام الخريجين المتضررين، مشددا على أن تصريح رئيس الحكومة الحالي، الذي أوضح من خلاله أن البرنامج حقّق أهدافه بنسبة 80 في المئة، وبأنه ناجح ووفّر مجموعة من الأطر القادرة على خدمة البلاد مردود عليه، “لأن البرنامج بالنسبة لنا غير ناجح، مادام إدماجنا في سوق الشغل لم يتحقق”.

شهادة بدون قيمة

من جهته، أبرز ادريس النوراني، حاصل على الإجازة في الفلسفة، وشهادة تكوين في الاستشارة النفسية والأسرية والوساطة، أن شهادة الكفاءة المهنية لم تعط قيمة لحاملها داخل سوق الشغل، إذ أنه في كل مباراة تم الإعلان عنها، كما هو الحال بالنسبة لقطاع التعليم، لم يتم الاعتراف بها، ولم يتم التعامل معها بمنحها قيمتها، وبالتالي تبيّن بقوة الواقع أنها غير ذات قيمة.
وأشار عضو التنسيقية في مداخلته، إلى أن آخر تصريح تلفزي للوزير محمد يتيم، الذي أكّد أن “أطر البرنامج الوطني 25 ألف إطار الحاصلين على شهادة الكفاءة المهنية تم إدماجهم في قطاع التعليم” هو أمر غير صحيح، ويؤكد خلطا لدى عدد من المسؤولين ويطرح أكثر من علامة استفهام في هذا الصدد؟
وأكد ادريس، أن هناك عددا من المعطّلين الذي انخرطوا في برنامج التكوين، علما أن منهم من كان يتدبّر يومياته بكيفية من الكيفيات، باعتماد “البريكولاج” هنا وهناك بحثا عن لقمة عيش، فوجدوا أنفسهم مضطرين عن التخلي عن هاته الحلول البسيطة، أملا في أن يوفر لهم التكوين شغلا وكرامة، لكنهم خرجوا بخفّي حنين، وفقدوا كل شيء في نهاية المطاف، إذ لم يتم إدماجهم، واصطدموا بالعطالة مرة أخرى معطّلين، وباتوا بدون مورد رزق كيفما كانت بساطته.
تكوين من أجل التكوين

بدوره، أكّد حسن فارس عضو التنسيقية، حاصل على الإجازة في القانون الخاص سنة 1996، ودبلوم الاقتصاد الدولي، إلى جانب شهادة الكفاءة المهنية في مجال التنمية البشرية، “أن الأطر المعنية ببرنامج تأهيل 25 ألف إطار من حاملي الشهادات، استقبلته بأمل عريض واستبشرت به خيرا في الوهلة الأولى، لأنها رأت فيه طريقها إلى التشغيل والكرامة، بعدما كانت في عطالة طويلة الأمد، إلا أن الحكومة تنصّلت من مسؤوليتها وتركت هؤلاء الأطر يتصارعون مرة أخرى مع البطالة”.
واستنكر المتحدث في تصريحه لـ “الاتحاد الاشتراكي”، أن يكون برنامج حكومي الغرض منه التقليص من شبح البطالة، برنامجا دون تحقيق أهدافه المتمثلة في إدماج الخريجين، مؤكدا أن “الأطر المعنية بالبرنامج لايمكنها أن تقبل بأن يكون تكوينها من أجل التكوين، وليس من أجل المساعدة على الإدماج في سوق الشغل”، مضيفا، “عددا من أطرنا لديهم تكوينات كثيرة وهم في غنى عن تكوينات أخرى غير مفضية إلى العمل”!
ربط المسؤولية بالمحاسبة

الوداد محمد، الحاصل على إجازة في القانون الخاص سنة 1995، وشهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، إضافة إلى دبلوم في التدبير، وشهادات أخرى، أكد أن البرنامج استثمر في الموارد البشرية، التي هي أهم أضلاع كل معادلة، مشددا على أنه وإعمالا للحكامة وانطلاقا من ربط المسؤولية بالمحاسبة، وجب القيام بتقييم جدي لتطور البرنامج وحصيلته في علاقة بالفوج الأول، وهو الذي استهدف 3 أفواج على مراحل ودفعات. وأكد عضو التنسيقية الجهوية، أن الأطر المعنية بهذا البرنامج، لديها من الكفاءات والمؤهلات ما يخوّل لها تحمل المسؤوليات في مختلف المجالات، مبرزا على أن هناك إهدارا للطاقات، وتضييع لرأسمال بشري يمكن أن يكون في خدمة الوطن من مختلف المواقع، في زمن تعاني فيه الإدارة من الكثير من الأعطاب ومن الخصاص وبنية متآكلة، في الوقت الذي يحتجّ فيه أطر الكفاءة المهنية في الشارع، متسائلا في نفس الوقت عن موقع الشواهد المسلمة للخريجين من الناحية القانونية، التي تعرقل مسار الإدماج، معتبرا أن كل من لايقوم بواجبه في هذا الصدد انطلاقا من موقعه ومسؤولياته يجب أن يحاسب انسجاما وروح دستور 2011.
وناشد الوداد الحكومة لكي تعمل على تخصيص حصص خاصة لأطر الكفاءة المهنية في المباريات المقبلة، وعلى رأسها مباريات الجماعات المحلية، وأن تتم مراسلة كل المؤسسات العمومية وشبه العمومية التي تساهم الدولة في رساميلها لكي تحثها على فتح باب الشغل في وجه هذه الفئة، مشددا على أن هناك العديد من الحلول الممكنة، التي يمكن من خلالها تمكين أطر الكفاءة من الحق في الشغل متى توفرت الإرادة الفعلية لذلك.
واختتم عضو التنسيقية مداخلته بالتنبيه إلى الوضع الخطير الذي يعيشه أطر الكفاءة المهنية، داعيا إلى إيجاد حلول للمتضررين الذين يتشبثون بنضالاتهم الجهوية والوطنية، مشددا على حجم الألم الذي يعاني منه المتضررون الذين أوصدت في وجوههم كل الأبواب وبات الأفق بالنسبة لهم مجهولا ومفتوحا على كل الاحتمالات حتى الأكثر سوداوية ومأساوية منها.