المغاربة وتعظيم شعيرة رمضان

العيون الان

المغاربة وتعظيم شعيرة رمضان
بقلم : عبد الغني الخنوس باحث في قضايا الفكر الإسلامي

تـقديـم:
﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.[1]

شهر رمضان شهر الرحمة والغفران، شهر الله عز وجل الذي خصه بالنسبة إليه سبحانه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ” قال اللَّه عز وجل: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به” [2]

وإن من أعظم نعم الله عز وجل على المؤمن أن يوفقه لإدراك نفحات شهر رمضان المبارك واغتنام منحه الربانية وأجوره المضاعفة، فتعظيم شعائر الله تعالى والتعرض لنفحاتها هو مفتاح القبول، فعن عطية بن بسر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: « أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه، فان قبلها بشكر وإلا كانت حجة من الله عليه»[3]

تعظيم المغاربة لشعبان فرحا برمضان:
يجتهد المغاربة كباقي المسلمين في تعظيم شهر رسول الله شعبان، فيصومون نصفه الأول وأقل ذلك صومهم ليوم النصف من شعبان (خامس عشر) وقيام ليلته، استمطارا لرحمات الله عز وجل وطلبا لمغفرته وتعرضا لفضائله التي روتها أمنا عائشة رضي الله عنها حين قالت: « قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: “يا عائشة ـ أو يا حُميراء ظننت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خَاسَ بك”؟ (أي لم يعطك حقك). قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضتَ لطول سجودك، فقال: “أتدرين أَي ليلة هذه”؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال “هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم» [4]

وبحلول هلال شعبان يشرع المغاربة في تهنئة بعضهم البعض بعبارة “مبروك لعواشر” أو “عواشر مبروكة” أو “مبارك عواشركم” حسب تعبيرات كل منطقة، وهي عبارات تطلب بركة شهر شعبان وتستشرف الفرح بمقدم شهر رمضان المبارك ودعاء بأن يبلغهم الله عز وجل الشهر الفضيل.

ومن مظاهر الفرح بقدوم رمضان أن المغاربة خلال النصف الثاني من شعبان يبادرون إلى تنظيم حملات لتنظيف المساجد وصيانتها وتجديد أفرشتها وتوسعتها، ويتنافس عمار بيوت الله في الأجر، حتى تليق مساجد أحيائهم باستقبال جموع المصلين والمصليات لأداء الصلوات المفروضة وصلاة التراويح.

وتحرص النساء على إعادة ترتيب وتزيين البيوت لتبدو بأجمل حالاتها، فرمضان هو كذلك شهر لتجديد صلة الأرحام وإطعام الطعام.

حرمة رمضان في قلوب المغاربة:
لرمضان حرمة كبيرة في قلوب المغاربة لذلك يتفننون في أشكال استقباله ويحرصون على قدسيته وحرمته، فما أن يعلن عن ولادة هلال شهر القرآن حتى ترتفع زغاريد النساء – في بعض المناطق – فرحا بشهر الطاعة. وتبرق أدعية التهاني عبر الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي، وتفوح روائح البخور والطيب من البيوت، وتلحظ مباهج المحبة والسرور تعلو وجوه الناس، مغيرة أحوالهم من حال مثقل بهموم الحياة إلى حال رباني مستمطر للرحمات والبركات.

ومن أحوال تعظيم هذا الشهر أن العديد من المدخنين والمدمنين يتوقفون عن آفاتهم خلال أيامه، ومنهم من كان رمضان سببا في إقلاعه عن التدخين ومنهم من تاب من شرب الخمر. فرمضان فرصة ومدرسة ربانية لتغيير حياة كثير من الناس.

ورغم ما قد يلاحظ من مظاهر تخدش من قدسية وحرمة هذا الشهر إلا أنها تبقى حالات معزولة بالنظر إلى الجو الإيماني العام الذي يعيشه المغاربة خلال هذا الشهر.

فتعظيم حرمات الله تعالى برهان على الإيمان، وسبب للغفران ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾[5].

روح مسجدية وأجواء قرآنية:
من جميل مظاهر تعظيم المغاربة لشهر الصيام، عمارة المساجد حيث تمتلئ عن آخرها بالمصلين والمصليات خاصة صلاة التراويح، ويتعدى ذلك الشوارع والأزقة المجاورة للمساجد التي تكتظ بصفوف المصلين، كما يجتهد الكثيرون في اللبث بالمسجد والمسابقة والمسارعة إلى الصف الأول، مما يبين ارتباط المغاربة الوثيق بدينهم رغم المحاولات اليائسة لطمس الهوية الإسلامية الأصيلة للشعب المغربي.

وتنظم خلال أيام الشهر الكريم سلسلة برامج تربوية تبتدئ من الفجر إلى آخر الليل، منها دروس وعظية لكوكبة من العلماء والدعاة، التي ورغم رقابة وزارة الأوقاف ومحاصرتها ومصادرتها لرأي العلماء، إلا أن بعضها تجيب عن واقع الناس وأسئلتهم، رغم ما قد يسجل من شرود بعضها عن مقاصد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتنظم المسابقات القرآنية بعد صلاة الظهر، فيما يخصص وقت بعد صلاة العصر لقراءة حزب القرآن الراتب بشكل جماعي الذي يشتهر المغاربة بقراءته بقية السنة بعد صلاة المغرب.

كما يتم اختيار أجود الأئمة صوتا وتحبيرا لآي القرآن ليؤم صلاة التراويح، فتصدح صوامع الجوامع بتراتيل لحداء الروح كتاب الله عز وجل يتلى ويرتل في ختمات قرآنية طيلة الشهر.

روح مسجدية وأجواء قرآنية يسعى الشعب المغربي ليعيشها رغم ما يقصف به في الإعلام الرسمي الذي بدل أن يرعى القيم والأخلاق وينتج ما يستجيب للأذواق الرفيعة، يبث الرداءة والرذيلة ويعلم الفاحشة والمنكر في تحد صارخ لقيم ودين المغاربة، محاولا إفساد مقاصد هذه الشعيرة الربانية، وجعلها شهر مسلسلات وسهرات وسخافات وغفلات.

شهر المواساة وترك الخصام وصلة الأرحام:
رمضان عند المغاربة هو فرصة كذلك للإنفاق في أوجه الخير بموائد الإفطار والصدقات وإطعام المساكين، وفيه توثق أواصر صلة الأرحام بالزيارات الاجتماعية والإفطارات الجماعية. فترسخ في شهر المواساة معاني المحبة والتعاون والتآخي، تلك المعاني الفاضلة التي أرشدنا إليها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبته مستهل شهر رمضان، فعن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: «يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، شهر المواساة، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال عليه الصلاة والسلام: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شـهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ومـن سـقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة».[6]

إحياء ليلة السابع والعشرين تحري لليلة القدر وفرح بالصيام الأول للأطفال:
بالرغم من وجود بعض الحالات الشاذة والطقوس غير الشرعية، يبقى المقصد الأساسي من احتفال المغاربة بليلة السابع والعشرين من رمضان المبارك، هو تحري أجر ليلة القدر وفضل العشر الأواخر من رمضان.

ومن روائع تعظيم المغاربة للشعائر الرمضانية، احتفاء الأسر المغربية بأول صيام للأطفال يوم السابع والعشرين، تدريبا لهم على الصيام وتحبيبا لهم في الشعائر الإسلامية وغرسا لحب فريضة الصيام كركن من أركان الدين الإسلامي الحنيف. فينظمون إفطارا خاصا على شرف أطفالهم الصائمين تحفيزا لهم وشكرا لتوفيق الله عز وجل لهم على إكمال الصيام. كما تقام حفلات حناء وتزين للبنات الصائمات.

خاتمة: رمضان لما بعده:
إن بلوغ شهر رمضان من أعظم النعم التي توزن دقائقها وقيمتها بميزان الذهب، وإن من شكر هذه النعمة تمام اغتنامها وإن السعيد الرابح من ربح بيعه مع الله عز وجل في هذا الشهر، عسى أن تصيبه نفحة من نفحاته المباركة فيفوز بسعادة الدنيا والآخرة، وينجو من حال من حرم من المغفرة في شهر الغفران ممن عناهم حديث سيدنا رسول الله صلى الله في تأمينه على دعاء سيدنا جبريل عليه السلام، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال : «آمين آمين آمين. قيل : يا رسول الله، إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين، قال: “إن جبريل أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين…»[7]

فأي حسرة على العبد أن يدركه رمضان ويحرم من المغفرة، وأي خسارة أن يتطهر المرء في رمضان ويدنس روحه بعد رمضان، فرمضان لما بعده فكما تهفو النفوس لقدومه وتحن القلوب للقائه، وتدمع العيون لفراقه، ينبغي أن تحرص الجوارح والأفئدة على أن تكون روح رمضان حاضرة في كل شهور السنة وليكن حافزنا شوق وديدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، الذين كانوا “يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم”[8]

فاللهم سلمنا لرمضان، وسلم رمضان لنا، وتسلمه وتقبله منا كما تسلمته وتقبلته من حبيبك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم وفقنا لصيام نهاره خير صيام، وإحياء ليله بالنوافل والقيام، اللهم وفقنا لعمارة أوقاتنا بالقرآن، ووفقنا للإكثار من الصدقات وصلة الأرحام، وانصر المستضعفين في كل مكان.

ADS TOP

التعليقات مغلقة.