من قتل الشيخ الزروالي؟؟

العيون الان

من قتل الشيخ الزروالي؟
——————-
لكي نجيب على هذا السؤال، يتحتم علينا النظر بحياد و”بعين الطائر” لمجتمعنا بين الأمس واليوم. فحسب ما وصلنا من معلومات عن ملابسات الجريمة، القتلة ارتكبوا الجريمة للاستيلاء على سيارة الشيخ البالية، وهم على يقين من أنهم سيفلتون من العقاب. السؤال، من أين لهم بهذه الجرءة وهذا اليقين؟ قد يقول البعض: هو تفسخ القيم وضعف الإيمان اللذين استشريا في مجتمع مسالم ومحافظ. وهذا صحيح لحد ما، فبالأمس القريب، كانت أواصر القرابة والجوار في مجتمع صغير ومنغلق على ذاته نوعا ما تجعل كل شيء تحت رقابة هذا المجتمع الذي يحسب ألف حساب ل “الفضاحة” و”العار”، بيد أن وضع مجتمعنا اليوم قد تغير بتباعد الناس وتحولهم من مفهوم الأسرة الكبيرة لشيء هجين مابين الأسرة الكبيرة والأسرة النووية، تحولٌ فرضته الأوضاع المعيشية وحالة التمدن. لكن، بالتمحص في ظاهرة استشراء العنف والجريمة، لا نملك إلا أن نستنتج وجود عناصر أخرى أثرت في منحى التغير الذي طال المجتمع الحساني وأملت بعضا من عناوينه العريضة. ولايمكن للمتفكر العاقل إغفال دور البعد القبلي في هذا الأمر. لكن كيف؟ الأمر بسيط ان امعنا النظر: الفرد في المجتمع الصحراوي كان ولزمن ليس بيسير يستمد قيمته وربما حتى غاية وجوده من انتماءه لقبيلته، فالقبيلة تحدد هويته، تكفله وتحميه، وبسموها يسمو وبدنوها يدنو. لكن التمدن فتت الكثير من تماسك المكون القبلي وتسبب في ترهل حلقات السلسلة التي تشد بين أفراده، غير أن احساس الانتماء وما خلفه فينا كصحراويين من احساس بالنخوة والاعتزاز واطمئنان لكوننا محميين، جعلنا نحتفظ على رفضنا الفطري لقوانين التمدن ومساطيره، فتجد الواحد منا يوقف سيارته وسط الطريق ليسلم على شخص آخر، ويرمي الأزبال حيثما خطر له ذلك، ويبني زيادة اسمنتية لداره إن هو أراد.. وهذه التجليات البسيطة لإحساس التعالي عن قانون المدينة تحملها الغالبية العظمى منا بين مساماتها وتلافيف روحها، وقد تظهر بصورة أوضح من ذلك في الجيل اليافع، فتجد الواحد منهم يستمد قيمته من كونه صحراويا، ابن عائلة فلان، من قبيلة علان، وليس من كونه مجدا في دراسته أو يمتلك موهبة تجعله فريدا بين أترابه. لهذه الحدود، قد يقول قائل أن الأمر لا ضير منه ولا يسبب شرا حقيقيا. غير أن واقعنا اليوم يشي بأن هذه النوازع المترسبة من زمن القبيلة قد تكون لها نتائج وخيمة في مجتمع لم يعد صغيرا كما كان، ولا منغلقا كما كان، ولا مراقبا بآلياته التقليدية (الجماعة والعائلة..) كما كان، وفي ظل التفسخ الأخلاقي الذي أضحى منتشرا في مجتمعنا بسبب انتشار المخدرات وتقبل المجتمع للمتاجرين في الممنوعات بشتى أشكالها، إذ لاتهم الوسيلة (الكونتربوند مثالا) بقدر ما تهم النتيجة (الاغتناء السريع)، الأمر الذي يوحي لبعض الشباب الطائش بأن الفعل مهما بلغ سوءه لن ينتج عنه عقاب، مادام قد أثمر عن ربح مادي يراه الجميع. أما السلطة المدنية التي أوكل لها فرض القانون وإلحاق العقاب بمرتكب الجريمة، فقد أفقدها الخلط بين السياسي والمدني هيبتها وجعلها مستبعدة من المعادلة.
اليوم لا نملك إلا أن نتساءل، في ظل هذا التفشي الخطير للجريمة والإرهاب الذي لم يعد شخص في منئى منه، ألم يحن الوقت لمراجعة مواقفنا والإشارة بأصابع الاتهام لأنفسنا ومواقفنا من أفعال نعتبرها إلى يومنا هذا مقبولة، بينما هي في الحقيقة إجرامية؟ ألم يحن الوقت بعد لإعادة تعريف قيمة الفرد، وربطها بالعلم والمعرفة والانتاج، بدل ربطها بالقبيلة والعائلة والمال؟ قُتل الشيخ اليوم على يد جيل تربى على مفاهيم مغلوطة للخير والشر.. فكم من قتيل نحتاج وكم من جريمة ستهز مدينتنا ومجتمعنا حتى نفهم أخيرا أننا نحتاج لإعادة نظر في طريقتنا في تربية فلذات أكبادنا.

بقلم: بوسحاب أهل اعلي

ADS TOP

التعليقات مغلقة.