من مذكرات رئيس جهة فريدة

العيون الان

من مذكرات رئيس جهة فريدة..

الحلقة الثانية

..كان حدث معارضة المشاريع الملكية بمثابة منبه قوي إنذار مبكر أن القادم أسوأ وأن هناك إرادات تعبث بمصير الجهة لأن ماسبق توقيع هذه الاتفاقيات من إعداد وتسويق وجمع لكل المسؤولين والحكومة لا يقول أننا إزاء حدث عادي جدا، بل أمام مرحلة جديدة حاسمة في وضع أسس جديدة للتنمية في الجهات الجنوبية الثلاث لكن الذي حصل في جهة كليميم واد نون يطرح أكثر من تساؤل إلى الآن حول الجرأة والقدرة على التبخيس من إتفاقيات ملكية وجعلها موضع تساؤل..
قد كان هدف المعارضة هو تغيير مسار الطريق السريع الذي رسمته الجهات الوصية دون أدنى استشارة معنا وأيضا العقار الذي سيقام عليه المستشفى الجهوي، هذه هي الأسباب الحقيقية وراء كل هذا الرفض المبني على أكاذيب تم الترويج لها كغياب الإتفاقية الإطار التي توصل بها ع.ب من مصادره هناك حتى قبل أن اتوصل بها كرئيس لمؤسسة دستورية..

كان العبث والتواطؤ واضحان بشكل كبير وقد كاتبنا كل الجهات الحكومية بدءا من رئيس الحكومة مرورا بكل وزراء الداخلية السابقين واللاحقين دون رد يذكر ، لم نكن نطلب أكثر من تفسير لرفض هذه الاتفاقيات لأن الأمر لايتعلق ببرنامج سطره المكتب المسير وإنما ببرنامج تنموي يعتبره المغرب خيارا استراتيجيا لتنمية الأقاليم الجنوبية وفق رؤية جديدة هكذا على الأقل كنا نفهم الأمور أو نحاول استيعابها على مضض، لأننا ندرك جيدا غياب الإرادة السياسية ووجود نخبة فاسدة تحتكر كل أدوات اللعب..

لطالما تساءلت وأنا أكتب منذ سنوات خلت عن سر الأزمة التي يعيشها المغرب إلى الآن وكانت الأجوبة غالبا ترتبط في ذهني بمداخل ومخارج كثيرة، لكن هذه التجربة القصيرة في إدارة الصراع داخل جهة كليميم واد نون حتى لا أقول التسيير ابانت لي نقاط الضعف الحقيقية والتي لاتتعلق أساسا بندرة الموارد المالية، بل بطريقة توظيفها وغياب آليات محاسبة حقيقية..
فهمت داخل هذه التجربة أن مشكل المغرب يتعلق بنسق النظام السياسي نفسه وطبيعة النخب المسيرة للمجالس الترابية، هذه النخب هي في أغلبها مجرد موزع “Distributeur” لموارد مالية مقدمة من الجهة الوصية.. وبالتالي آليات الاشتغال بين هذه النخب السياسية والجهات الحكومية مبنية على الولاءات التي تخلقها هذه الموارد نفسها وليست علاقة ندية بين منتخب ومسؤول حكومي تحكمها قواعد اللعبة الديمقراطية..
لذا في أحيان كثيرة كنت أتساءل عن مفهوم الاستقلالية في علاقة رئيس مؤسسة ترابية منتخبة بالوزارة الوصية أو من يمثلها !!
العلاقة هنا لاتخرج عن إطار تنفيد سياسات مرسومة سلفا بدقة والقاعدة الاقتصادية تقول من يدفع يحكم ونحن إزاء جماعات ترابية لاموارد ذاتية مستقلة ولا مداخيل تشكل قوة ضاغطة.. إذن نحن ازاء علاقة تبعية تقتضي وفق هذا النسق الانخراط الكلي في جوهر اللعبة بكل حذافيرها..
هذا النسق السياسي هو الذي يجعلنا نفهم كيف إن أكثر من 5572 منتخب لايحملون شواهد ابتدائية ونفس الرقم أيضا يعني من يمتهنون السياسة في شقها التمثيلي حسب احصائيات المديرية العامة للجماعات المحلية سنة 2017.

اذن الهاجس هنا ليس تنمويا بقدر ما هو هاجس الضبط والتحكم عبر آليات توزيع فائض الثروة وتوزيعه على الموالين والمعارضين على حد سواء لضمان الولاءات والقدرة على الحشد متى تطلب الأمر ذلك، من خلال تحويل المجتمع إلى زبون دائم محتاج للخدمات الاجتماعية التي تعد من صميم حقوقه الأساسية لكنها هنا وفق هذا النسق تتحول إلى منحة وعطاء عليه إن يرد المقابل له خدمات وقت الحاجة نموذج انتخابات 2016 البرلمانية..

إذن لكي نفهم جيدا المشهد السياسي داخل جهة كليميم واد نون يجب أن نضعه في سياقه التاريخي اي منذ 2003 إلى حدود الإنتخابات الجماعية والجهوية ، لأن الحديث خارج فهم السياقات لايمكن ان يعطينا الصورة الحقيقية لمعارضة جهة كليميم واد نون ابان النسخة الأولى من المجلس..
وهنا يحضرني كلام أحد الأعضاء الذين كانوا معي في اللائحة الجهوية ونحن نعد للحملة الانتخابية في أيامها الأولى، لقد قال لي “أنكم اخترتم وقتا غير مناسب للدخول في الانتخابات لأن على حد قوله تنافسون شخصا معه الجميع”، وقد عدد أمامي كل المصالح الرسمية وغير الرسمية والأسماء في الجهة والرباط والعيون وطنجة وووو ، بشكل اذهلني..
لقد كان يقول لي وكله ثقة “إلا نجحتو غير انتوما بجوج راه أرباح”، وهو يعدد الأسماء والمصالح لم أجد أي إجابة تشفي غليلي سوى أن قلت له بدارجة تشوبها لكنة حسانية “خالك واحد ماهو معاه”..
التفت الرجل إلي مستنكرا “اشكون هذا ؟؟” قلت له إنه الله، لم يكن أمامي غير هذا الجواب..
هذا المنطق الذي تحدث به الرجل يطرح إشكالية صناعة النخب السياسية في المغرب وفي الصحراء خاصة أنها ماركة مسجلة بإسم المخزن تقدم لها كل الإمكانيات المادية والسياسية لتفصل الخرائط والمجالس حسب مايهواه النسق السياسي نفسه ،وهي إعادة بناء لمفهوم الأعيان والخروج به من المنطق الانتروبولوحي إلى المنطق الإنتخابي الذي خلق عينة من أشباه الأعيان وهمش العائلات التاريخية داخل المنطقة خدمة لأجندات معدة سلفا..
هؤلاء الأعيان الجدد يطبقون دون وعي نظرية مايسمى ” la politique de ventre” سياسة البطن، وهي آلية انتخابية تقوم أساسا على ثقافة “كول و وكل” أي بمعنى آخر البحث عن المؤسسات والمناصب لمصالح شخصية..

هذا الواقع سيستمر في جهة كليميم واد نون بكل قوته وسطوته متحكما في آليات الاشتغال وسيكون لاعبا وحيدا داخل منطقة تعيش إكراهات تمنوية كبيرة مما جعل أغلب الساكنة تتعايش مع هذا الوضع الذي يريد جزء كبير من الطبقة السياسية المفروض فيها حماية المواطنين تكرسيه داخل جهة كليميم واد نون، فلا غرابة إذا ما تحول هذا الشخص إلى متحكم حتى في صناعة السياسات العمومية داخل المنطقة كلها يوزع على من أراد ويمنع على من لايتماشى مع سياسته..
وضع سيستمر لحدود تعيين والي جديد على الجهة وبحكم حمولة الرجل الفكرية والايديلوجية وتاريخه الطويل في رسم مسار خارطة أخرى سيعرف الوضع تقاطبات جديدة وستخرج معارضة ولأول مرة في تاريخ بلدية كليميم التي كانت تعرف إجماعا منقطع النظير إلى العلن، وسيبدأ حراك سياسي كبير عرف خروجا للشارع للتنديد بالسياسات العمومية المتبعة وبهدر المال العام ودخول جمعية حماية المال العام على الخط..
هذا الصراع ستزيد حدته الظروف المناخية والفيضانات التي عرفتها جهة كليميم واد نون سنة 2014 وتطور الصراع بلبوس إثني عرقي يتقن ع.ب العزف على اوتاره بدقة، وستعرف هذه المرحلة تجاذبات سياسية قوية ستنتهي بإعفاء والي جهة كليميم واد نون وماتلاه من تصعيد رأى فيه البعض انتصارا لقوة الفساد وتحكمه، وسينتهي بقولة وزير الداخلية المعفى أيضا من وزارتين “ثقو في دولتكم”..

هذه الثقة التي ستعقبها اهتزازات كثيرة ستعرفها جهة كليميم واد نون التي دخلت غمار إنتخابات جهوية جديدة كانت كل المؤشرات تقول على إن ع.ب سيحسمها بفارق كبير مدعوما من أطراف عديدة رسمية وحزبية تحفظت على ترشح السيدة الوزيرة نفسها آنذاك ، ونصحتها بعدم الدخول في لعبة نتائجها معروفة سلفا ، لكن كانت للاقدار ترتيبات أخرى بعيدا عن محراب السياسة والجهات المعنية وحقيقة الأمر أن نجاحنا جميعا داخل تلك الاستحقافات كان بفضل الله طبعا وبفضل الحراك الشعبي الذي كان موجودا وفي بداية توهجه وكنا وجوها جديدة تنتمي تاريخيا للمنطقة لعائلة تقليدية مخزنية وكنت شخصيا من المغردين غالبا خارج سرب هذه التقليدانية بحكم تكويني ودراستي واعتمادي على مقدراتي الشخصية في الوصول إلى ما رسمته..
هل كان قدرا أيضا أن أتقدم لهذه الانتخابات التي ماكانت نهائيا ضمن مخططاتي وأذكر أنه في يوم 25 يوليوز من سنة 2015 كنت احزم حقائبي متجها شمال المغرب لقضاء العطلة الصيفية مع عائلتي الصغيرة ، فإذا باتصال هاتفي يطلب مني الحضور على وجه السرعة لمدينة أكادير مصحوبا بصورتين وسيرتي الذاتية..
وبين ذلك التاريخ والآن جرت مياه كثيرة تحت جسر جهة فريدة.. وكان الخروج أو الإخراج لكنه ليس حتما خروج ذلك الذيك الذي كان يؤذن للفجر كل يوم فقال له صاحبه لاتؤذن وإلا ذبحتك فتوقف..
بعدها قال له “إن لم تقاقي كالدجاج ذبحتك” فتنازل الديك وأصبح يقاقي.. وبعد أسبوع قال له الآن اما أن تبيض كالدجاج او ذبحتك..عندها بكى الديك وقال ياليتني مت وأنا اؤذن..
الحمد لله تم اخراجنا ونحن نؤذن وكلنا إيمان إن كل من يوقظ الناس مصيره الموت..

ADS TOP

التعليقات مغلقة.